يعتبر اليهودي “فرويد” أشهر من تبنى التفسير الجنسي ونشره ودافع عنه بتعصب شديد، ولم يكن “فرويد” أول من تكلم عن اللامعقول وعن الجانب الشهواني من الطبيعة البشرية، بل هو أظهر من تجرأ فأشار إلى هذه الجوانب، لقد كانت أوروبا تعج بالآراء والأفكار الجنسية الشهوانية ولم يكن “فرويد” هو الوحيد الذي كان يبحث في الجنس وقضاياه، بل كان هناك أيضا اشتراكي رائد في علم الجنس يدعى “هافلوك إليس”، ففي العشرينيات من القرن العشرين سقط الاحتشام الفكتوري المألوف، وقد أصلت الروائية البريطانية “إليور جلن” روايتها “ثلاثة أسابيع” حيث روت فيها قصة خيالية تدور حوادثها حول الزنا والتزاني..
جاء “فرويد” في هذا الجو المحموم مدفوعا بخلفيته اليهودية الحاقدة على البشرية وبمزاجه الساخر.. وورث عن داوين نظرته القائلة بحيوانية الإنسان وتوافق ذلك مع خلفياته اليهودية التي تقرر أن ما عدى اليهود هم ليسوا سوى حيوانات في هيئة بشر خلقوا ليكونوا خدما لشعب الله المختار.
تمازجت هذه الأمور كلها في عقلية “فروي” ليخرج بنظريته الجنسية الحيوانية.
ولئن كان “ماركس” -وهو يهودي أيضا- نظر إلى النفس الإنسانية من خلال عالمها الخارجي ومن خلال المؤثرات الخارجية، الاقتصادية بالذات، فإن “فرويد” نظر إلى النفس من خلال عالمه الداخلي، ولكنهما وصلا في النهاية إلى نتيجة واحدة في موضوع الدين والأخلاق، واعتمدوا التفسير الحيواني للحياة الإنسانية والإنسان.
..بيد أن “فرويد” كان أفحش وأخبث في تلويثه للنفس الإنسانية والانحطاط بها إلى الحضيض، وذلك من خلال نظريته المسماة نظرية التحليل النفسي، حين قرر أن الحياة النفسية للإنسان ليست حيوانية فحسب ولكنها كلها تنبع من جانب واحد من جوانب الحيوان: جانب الجنس، الذي اعتبره العامل المهم بل الوحيد المسيطر على كل تصرفات الإنسان، ويمكن تلخيص حيوانية “فرويد” -التي يطلق عليها اسم نظرية التحليل النفسي- في عدة نقاط:
1- الإنسان ليس مخلوقا لله بل نتاج الطبيعة، وهو في أصله حيوان.
2- الإنسان ليس فيه شيء اسمه روح بل هو مجرد جسد.
3- التكوين النفسي للإنسان على ثلاث درجات بعضها فوق بعض، أولها وأدناها: الطاقة الشهوانية، وموطنها الذات السفلى وهي طاقة جنسية لها السيادة التامة، ثانيها: النفس الواعية التي تواجه المجتمع وتحتك به وتحاول التوفيق بين الرغبات المتناقضة في داخل النفس وبين الحقيقة المادية الخارجية، ثالثها: الذات العليا وهي تنشأ من تلبس الطفل بشخصية والده، وحينئذ تنشأ عقدة أوديب كنتيجة طبيعية لحب الولد لأمه حبا جنسيا.
4- عقدة أوديب، وأصل قوله في هذه العقيدة: أن الأبناء في مطلع البشرية اتجهوا نحو أمهم بدافع الرغبة الجنسية فوجدوا والدهم عائقا في طريق رغبتهم فقتلوه، وأحسوا بالندم على قتله فتعاهدوا على تقديس ذكراه فعبدوه، ومن هنا نشأ الدين ونشأت عبادة الأب التي تحولت فيما بعد إلى عبادة للطوطم، ولما وجدوا أنهم سوف يتقاتلون على الأم قرروا تحريمها على أنفسهم بدلا من الخصام، فنشأت القيم.. فكل طفل يعشق أمه بدافع الجنس، وكل طفل يكبت ذلك العشق فتنشأ عقدة أوديب، نسبة إلى أوديب التي تقول الأساطير الإغريقية أنه قتل أباه وتزوج أمه دون أن يعلم حقيقة فعله.
وكذلك الطفلة تعشق أباها بدافع الجنس ثم تكبت هذا العشق فتنشأ في نفسها عقدة الكترا التي تعني في مدرسة التحليل النفسي تعلق الابنة بوالدها..
ومن هذه المنطلقات والتحليلات والتفريعات توجه “فرويد” نحو الدين والأخلاق والتقاليد والقيم العليا يدنسها ويقذرها في نفوس الناس، ويغمسها في مستنقع الجنس ثم يخرج حلوله بعد ذلك من المستنقع ذاته يتقاطر منها الجنس المكبوت.
فهو يعتبر القيم والأخلاق والتقاليد وسلطة المجتمع حراس كبت وقهر، يتربصون بالفرد الدوائر ليفتكوا به ويوقعوه في سلطانهم ويخضعوه لمشيئتهم، والفرد في صراع دائم ضد هؤلاء الحراس بوعي أو بغير وعي، يبحث عن أي فرصة للانقضاض عليهم علانية إذا أمن، أو خفية واحتيالا إذا خشي العاقبة.
وعلى هذا فالإنسان -عنده- ليس له إلا أحد الطريقين إما انطلاقة الطاقة الشهوانية الجنسية انطلاقا حرا، أي حيوانيا، وإما كبت مدمر للأعصاب المبدد للطاقات المفسد للحياة. (انظر الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها).
هذا بعض ما نصت عليه نظرية “فرويد” الحيوانية، التي نسفت قيم وأخلاق المجتمع الغربي وزجت به في أتون الإباحية والفاحشة والخلاعة، وهو الأمر نفسه الذي تسعى إليه المنابر الإعلامية العلمانية داخل مجتمعنا بترويجها للطرح الجنسي الحيواني، ودعوتها إلى الحرية الفردية الجنسية.