لقد حثت شريعتنا السمحاء على الترويح عن النفس لإشباع حاجة الإنسان الروحية والعقلية والبدنية، وجعلت له ضوابط محكمة تحقق للنفس متعتها ولا تضر بالدين والآداب والأخلاق.
فالترويح يذهب عن الإنسان الملل والضجر وضيق الصدر، لكن لماذا حين يذكر الترويح عن النفس يقابله دوما انتهاك الحرمات والتفريط في الواجبات؟
ألا يمكن أن نستغل العطلة في ما يعود علينا وعلى أطفالنا وأسرتنا عامة بالنفع في الدنيا والآخرة؟!
لقد كان قدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم مع جِديَّة الرسالة التي أمر بتبليغها هاشًا باشًا بسامًا، يقول سماك بن حرب: قلت لجابر بن سمرة: “أكنت تجالس رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم؟
قال: نعم، كان طويل الصمت، وكان أصحابه يناشدون الشعر عنده، ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية ويضحكون فيبتسم معهم إذا ضحكوا” (مسلم 760).
وكذلك كان أصحابه رضي الله عنهم من بعده؛ يلهون ويمرحون من غير أن يشغلهم هذا عن الواجبات أو أن يكون لهوهم هذا في مواطن الجِدّ.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “إني لأستجم نفسي بالشيء من اللهو المباح ليكون أقوى لها على الحق” (الذهبي في السير).
هكذا كان الترويح في حياة سلفنا الصالح، لم يكن وجوده وسط ركام الجد والعمل إلا ضربًا من ضروب العون وشحذ الهمم على تحمل أعباء الحق والصبر على تكاليفه، مع شعورهم بأن ما للجد أولى بالتقديم مما للهو والترويح.
ألم يشتكِ حنظلة بن عامر شيئًا من الغفلة في اللهو المباح حيث ملاطفة الأهل وملاعبة الأولاد، والتي كانت تتخلل بعض أوقات ذكره؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “ولكن ساعة وساعة” (مسلم).
ليُعَلِّمه صلى الله عليه و سلم ويبين للأمة من بعده أن في الإسلام ترويحًا وترفيهًا له طبيعته المشروعة حيث يتعدى المباح، ومن وراء هذا الترويح هدف مقصود هو دفع المَلَل، واستعادة نشاط النفس على العمل، حينئذ يُقَرِّب الترويح المصالح ولا يباعدها، ويستعان به بعد الله على مرضاته لا سخطه.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: “ولقد رأيت الإنسان قد حُمّل من التكاليف أمورًا صعبة، ومن أثقل ما حُمّل مداراة النفس وتكليفها الصبر عما تحب وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس”.
أمّا أن يصبح الترويح عن النفس وخاصة وقت الصيف هو جلّ اهتمامات المجتمع فذلك خروج بالترويح عن طبيعته ومقصده، واتجاه بالحياة إلى العبث، هذا في اللهو المباح، فما بالك باللهو الحرام الذي تُتَعدى فيه حدود الله وتنتهك فيه محارمه.
ورحم الله أحد سلفنا الصالح وهو يصف الباغين في اللهو دون رسم للحق أو رعاية للحدود، قائلا: “قد استخفوا عقولهم وأديانهم فلم يكن لهم قصد نافعٍ ولا تأديب نافذ، فلبسوا المرقعات واتخذوا المتنزهات، ويظنون بأنفسهم خيرًا، ويحسبون أنهم يحسنون صنعًا، والله تعالى يبغض الشباب الفارغ، ولم يَحمِلهم على ذلك إلا الشباب والفراغ”. اهـ
فنحن نريد صيفًا تستجم فيه النفوس ويتجدد فيه نشاط القلب الذي مَلَّ التعلق بالدنيا الفانية، وسئم النصب من أجلها، ليستعيد حياته من جديد.
نريد صيفًا يُجَسد حرصنا على مرضات ربّنا والإقبال عليه، صيفا يحكي أننا وإن غفلنا فابتعدنا عن الله في زحمة الدنيا ومشاغلها إلا أننا نجد الفراغ فرصة وأملاً في العودة إلى الله.
نريد صيفًا الفراغ فيه مطية إلى مرضات الله، وتداركًا لما غفلنا عنه أو فرطنا فيه من حق الله عز وجل.