مفهوم التجديد بين الهدم والبناء*

ظهر العصرانيون وهم يملأون الدنيا ضجيجا برغبتهم في التجديد، وبضرورة فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، وأنهم هم أصحاب الفكر الديني المستنير، يريدون أن ينتشلوا الأمة من كبوتها وتأخرها..

إلا أن حقيقتهم قد ظهرت لكل عاقل منصف، فهم تستروا برداء التجديد بعد أن سقطت شعارات القومية العلمانية، أو اليسار الإسلامي.. وكانوا من جنودها إلى أمد غير بعيد.
إن مزاعم التجديد التي رفع هؤلاء لواءها، كشفت الحقيقة جلية، وهي أن التجديد لديهم، يعني تطوير الدين على طريقة عصرنة الدين عند اليهود والنصارى.

* ولذلك فإن التجديد عندهم يعني:
– هدم العلوم المعيارية: أي علوم التفسير المأثور وأصوله، وعلم أصول الفقه، وعلم مصطلح الحديث.
– ويعني رفض الأحاديث الصحيحة جزئيا أو كليا، بحجة ضرورة ملاءمتها لعقولهم ولمصلحة الأمة، وظروف العصر الحاضر.
– ورفض السنة غير التشريعية، أي فيما يخص شؤون الحكم والسياسة، وأمور الحياة والمجتمع عموما..
– التجديد عندهم يعني الانعتاق من إسار الشريعة إلى بحبوحة القوانين الوضعية، التي تحقق الحرية والتقدم، ولذلك هاجموا الفقه والفقهاء بلا هوادة (1).
– والتجديد عندهم يعني فتح باب الاجتهاد بحيث “يكون فيه لكل مسلم نصيب، وحق الفقه في الإسلام أن يكون فقها شعبيا”.
– التجديد عندهم يعني الدعوة إلى اجتهاد جماعي شعبي، يرد للأمة حقها الذي كان يمارسه عنها الفقهاء، ويمكن أن يصبح إجماع الأمة المسلمة، وتصبح أوامر الحكام، أصلين من أصول الأحكام في الإسلام (2).
– والمجتهد عند الدكتور عمارة -مثلا- هو: “من لا علم له بالقرآن والسنة واللغة والأصول، لأن مجال الاجتهاد هو أمور الدنيا، ولا يشترط لها كل هذا من العلوم الشرعية، وإنما يشترط أن يكون المرء “مستنيرا” عقلانيا، تقدميا، ثوريا وحضاريا، وذلك من أغرب الأقوال في الاجتهاد” (3).
– الاجتهاد والتجديد عندهم يعني تحقيق المصلحة وروح العصر، يقول حسن حنفي: “وما يهمنا هو روح العصر، وما نهتم به من مشاكل العصر، لذلك فنحن نهتم بالأمثال العامية وبسير الأبطال، كما نفعل تماما مع النصوص الدينية، وبالأغاني الشعبية” (4). “والمصلحة أصل مستقل في التشريع عندهم ولا سلطة إلا لضرورة الواقع، لقد أصبح الواقع هو المحدد للاختيارات والقوانين، أما دور الشرع فثانوي، لأن اختياراتنا هي التي تحدد طبيعة القوانين، ونحن نستلهم خلال ذلك روح الشريعة ومقاصدها” (5).
– فالاجتهاد عند العصرانيين يعني طريقة الاجتهاد حسب فهم المستشرقين، يقول المستشرق “جيب”: “تعود الكلمة الفصل إلى ضمير الشعب بمجموعه، إن صوت الشعب -معترف به في الإسلام الحنيف- على أنه يأتي بعد صوت الله وصوت النبي صلى الله عليه وسلم، والمصدر الثالث لليقين الديني”.
هذا هو التجديد لدى العصرانيين، بل يزعم بعضهم إمكانية أن يكون مجدد القرن الخامس عشر منهم…
“والباعث لهذا النوع البدعي الخاطئ، الجهل بالسنة وبمنهج السلف من ناحية، والغرور وحب الشهرة، والانهزام النفسي وحب الزعامة، والإعجاب المفرط بالغرب من ناحية أخرى.
ووسائله رفع الشعارات الزائفة وإثارة الشبه، وبلبلة الأفكار والطعن والتشكيك في الأصول والقواعد الشرعية، والاستخفاف والسخرية بعلماء السلف، والإعجاب بكل جديد، والبغض لكل تليد” (6).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* عن كتاب العصرانيون الجدد بين مزاعم التجديد وميادين التغريب لمحمد حامد ناصر.
(1) الباب الثالث، مزاعم التجديد ص 215 وما بعدها.
(2) تجديد الفكر الإسلامي: د. حسن الترابي ص 12.
(3) محمد عمارة في ميزان أهل السنة والجماعة: سليمان الخراشي، ص 470.
(4) ماذا يعني اليسار الإسلامي: حسن حنفي العدد الأول.
(5) مجلة (15-21) العدد الأول، حوار مع الدكتور حسن حنفي.
(6) مناقشة هادئة لبعض أفكار الترابي/ص 33/ الأمين الحاج محمد أحمد/الطبعة الأولى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *