المدافعون عن التعريب يؤكدون أن “القانون الإطار” يشرعن لتغول الفرنسية وإطلاق يدها في كل مجالات الحياة

 تفاعل مع المستجدات التي جاء بها القانون الإطار للتعليم عدد من الوجوه السياسية والفكرية والعلمية، وقد اختلفت وجهات نظرهم في انتقاد مواد القانون الجديد، كلّ وفق مجال اهتمامه وزاوية نظره.

الدكتور عبد العلي الودغيري، الأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد بأن القانون الإطار أعطى “الأولوية للفرنسية، والفرنسية وحدها لا شريك لها. أما العربية فقد فُرِض عليها أن يكون دورُها ثانويًا وهامشيّا وهي في عقر دارها. حتى الإنجليزية نفسها خرجت من مضمار المنافسة، وهي الأكثر نفعا من الفرنسية في مجال العلوم العصرية وغيرها. وما يزعمونه انفتاحاً سيتحول إلى انغلاق حقيقي، انغلاق على الفرنسية وحدها لا ثاني ولا ثالث لها. فأين التعدد اللغوي الذي يتحدثون عنه زَيْفًا وبُهتانًا؟ أما ما سموه بـ(التناوب اللغوي) فمجرد تلاعب بالألفاظ أيضا.

وفي السياق ذاته تساءل الخبير اللغوي الفائز بجائزة الملك فيصل في فرع اللغة العربية والأدب، “أي تناوب إذا غُيِّبت العربية وهي لغة الدستور ولغة الأمة، وغُيبت الإنجليزية وهي لغة العلوم الحديثة كما يقولون؟ أين التناوب في كل هذا؟ هذه لعبة ألفاظ مثلها مثل لعبة (الهندسة اللغوية) ولعبة (التعدد اللغوي). كلها مصطلحات جوفاء وأسماء لُعَبٍ جيء بها للإلهاء والتسلية، والغاية هي الوصول إلى الفَرنَسة المطلقة في كل مراحل التعليم من الروض إلى الدكتوراه، وإطلاق يدها في كل مجالات الحياة العامة والخاصة. وهذا شيء لا يدركه مع الأسف الشديد حتى كثير من المدافعين عن العربية الذين لا يرون فيها إلا كونَها لغة الدين والقرآن”.

الأستاذ إبراهيم الطالب مدير الجريدة الإلكترونية “هوية بريس”، أشار إلى أنه حتى نفهم الجدل الدائر حول مشروع القانون الإطار المتعلق بإصلاح التعليم لابد أن نلقي نظرة على الصراع التاريخي حول التعليم بين دعاة الفرنسة وخريجي مدارس البعثة الفرنسية من جهة، ودعاة مغربة التعليم والحفاظ على الهوية من جهة أخرى، فالموضوع نفسه مستمر في الزمان كما هو مستمر في المكان.

مشيرا في السياق ذاته إلى ما قرره مهندس الاحتلال الفرنسي بالمغرب، المارشال هيبير ليوطي، حين قال: “أهم أعمالي في المغرب هو فتح الأراضي للاستعمار، وخلق التعاون بين الأهالي والأوربيين، وتشريك الأهالي في الوظائف العامة، وجعلهم يقبلون بتعليمنا ومناهجنا”.

وأضاف “بعد 8 أعوام من فرض الحماية وبالتحديد في الثالث من دجنبر 1920م، ضَمَّن ليوطي في تقريره السري الموجه إلى حكومة بلاده سياسته في تعليم المغاربة قائلا: “وأما التعليم فبواسطته يمكن أن يتم العمل الأكثر عمقا، والأشد تأثيرا في تطور الفكر المغربي الجديد، وإن في هذا الميدان لشغلا كبيرا يلزم الاعتناء به حينا، لأنه أهمل غاية الإهمال، فبواسطة المدارس وحدها يمكننا أن نهيئ النخبة المتأهلة للمشاركة معنا، ونكوِّن العنصر الحي والأهم لموظفي الحماية”.

وخلص ذ.الطالب إلى أن اللوبيات الفرنسية الفرانكوفونية نجحت في تمرير هذا القانون ضدا على إرادة الشعب المغربي، وانتصارا لمطالب وتوصيات المنظمة الدولية الفرانكوفونية.

لقد استطاع جميعهم الوفاء لباني الاحتلال الفرنسي في المغرب المارشال ليوطي عندما وجه أسلافهم في الدار البيضاء في 1914م في الموضوع نفسه وهو “تعليم الأهالي” ولَم تكن حينها الفرنسية معتمدة في تعليم المغاربة بل كانت العربية والعربية فقط؛ حيث قال مستشرفا للمستقبل موجها لاستعمال اللغة: “يلزم فتح مدارس للأهالي (أي المغاربة) رغبة في خلق رابطة بيننا وبينهم عن طريق اللغة التي هي ناقلة للأفكار، والسماد القوي لأعمال التقدم والتمدين الواجبة علينا”. نقلا عن الشيخ المكي الناصري رحمه الله تعالى، في تقرير له بعنوان التعليم الإسلامي والتعليم الفرنسي.

د.المقرئ الإدريسي أبو زيد كشف القانون المثير للجدل محكم الصياغة، وأشياء كثيرة مهمة، ولكن فيه عطب كبير وقاتل، فيه مصيبة وكارثة، هي المواد 2، 31، 32. هذه المواد، هي لتثبيت وشرعنة الهيمنة الفرنسية، ونقل اللغة الفرنسية من مكانها كلغة استعمارية متغولة على السيادة اللغوية، إلى وضعية اللغة المشرعنة.

وأضاف النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، الذي صوت برفض القانون الإطار، أنا أرفض هذه المواد الثلاث، لأنه لا نظير لها فوق الكرة الأرضية، لا نظير لها في الدول المستضعفة مثلنا، أرفضها لأنه لم يبدع أحد خارج لغته، ولم يطور أحد معرفة خارج لغته، أرفضها لأن العشرين دولة الأولى المصنفة بمعايير الأمم المتحدة الأقوى والأنجح، بيداغوجيا في مجال التعليم، هي دول تدرس عن طريق ممارسة سيادتها اللغوية.

كما نبه أن التغليط الكبير في هذه المواد الثلاثة، هو زعم أن تدريس بعض المواد والمجزوءات، العلمية وغير العلمية، باللغة الفرنسية، هو طريقة بيداغوجية صحيحة، والهدف منه هو تحسين الأداء وتحسين التعلم، وهذا كذب. تخيل لو أن طلبة الطب في فرنسا، يفرض عليهم غدا أن يدرسوا الطب بالعربية، كيف سينهار التعليم الطبي، أو بالصينية أو باليابانية أو حتى بالإنجليزية.

د. أحمد الريسوني رئيس مركز مقاصد للدراسات والبحوث اعتبر أن المنتصر الوحيد في هذا النقاش هي فرنسا.

وأضاف الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح “أعتقد أن الفرنَسة سائرة إلى خسران عالمي مبين، حتى ولو انتصرت في المغرب هذه المرة، أو في السنوات القليلة القادمة.

أما “المغاربة” الذين صوتوا وسيصوتون لصالح فرنسة التعليم المغربي، وكذلك الذين تبنوا مِن ورائهم هذا المشروع الاستعماري، وضغطوا لأجل تمريره، فلا شك أنهم قد خانوا الأمانة، وخرقوا الدستور، وخذلوا الثوابت المغربية.

وأما الممتنعون عن التصويت فقد أصبحوا (مذبذبين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء)، والخطير ليس هو فقدانهم بعض الشعبية وبعض المكاسب الانتخابية، ولكن الخطير هو فقدان الهوية المبدئية، وفقدان الاستقلالية، وفقدان الإرادة. وهو ضرب مصداقية الانتخابات، التي أصبحت لا تعني شيئا ولا تغير شيئا”.

مدير منتدى إحياء، الشيخ حماد القباج، اعتبر أن الانتكاسة والخيانة التي حدثت في قضية التعريب لا ينبغي أن تمر دون تسجيل مواقف لله وللتاريخ.

“لله: لأنهم وضعوا في مسار إصلاح التعليم ما يعزز ويعمق فشله وعززوا من مكانة لغة ستضر بتنميتنا واستقلالنا، فهو إفساد يستبق الإصلاح ليفشله.. والله لا يحب الذين يفسدون في الأرض بعد إصلاحها..

ولأنهم عززوا مسار قلة احترام لغة اختارها رب العالمين لوحيه الأخير إلى البشرية..

وللتاريخ: لأنه لا يمكن أن نسكت عن خيانة أسلافنا من الوطنيين (كمحمد الخامس ومحمد بلعربي العلوي وأبي شعيب الدكالي والمختار السوسي وعبد الله كنون وعلال الفاسي والمكي الناصري وآل بنونة: عبد السلام والطيب ومحمد… وأبي بكر القادري والرحالي الفاروق وو..)”.

وأضاف الشيخ القباج “نعم .. خسرنا معركة في ساحة البرلمان.. ولكن لن نخسر الحرب التي حقق فيها أجدادنا الوطنيون انتصارات مجيدة: يجب العمل على تعريف الأجيال بتلك الانتصارات حتى إذا ارتفع البؤس والإكراه عن سياسيينا وجاءت أجيال جديدة، آنذاك يسترجع الأحفاد نصر الأجداد ويستأنفون مسارا تنمويا استقلاليا حقيقيا، ويميزون بين من خان، ومن بقي وفيا، ومن عسى أن يكون معذورا عند الله تعالى وعند الشعب”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *