رئاسات وحكومات لا تعرف الأنياب إلا على المسلمين فقط وتفقدها حينما يكون المسلمون هم الضحايا، فالمسلمون لا يعدون ولا يعامَلون كمواطنين في دولهم التي تهدر فيها كرامتهم وتراق فيها دماؤهم وتغتصب فيها كافة حقوقهم، في حين لو كان المعتدى عليهم غير مسلمين لقامت الدنيا ولم تقعد ولتحولت الحكومات العاجزة بمددها الغربي حكومات شرسة لا تعرف الشفقة ولا الرحمة.
هذا هو حال مسلمي أفريقيا الوسطى الذين لا يجدون الأمان حتى وهم يغادرون بلادهم ليجوبوا القارة السوداء كمشردين مشتتين في الصحاري والقفار أو الغابات التي لا يعرف أولها من آخرها، ليكونوا بعد ذلك ضحايا الحيوانية المتوحشة؛ بعد أن صاروا ضحايا للوحوش الآدمية تحت سمع العالم المتحضر وبصره الذي لم ولن يحرك ساكنا.
فهل يمكن اعتبار هذه الكيانات دولا لها اعتبارها في المجتمع الدولي، تلك الدول التي تعلن أنها لا تستطيع حماية مواطنيها حتى في لحظات فرارهم خارج البلاد من القتل على أيدي مواطنين آخرين؟
وهل هذه دول التي تعجز عن السيطرة على قطعان من النصارى المجرمين الذين يسفكون من الدماء أنهارا دون خوف من عقاب ولا خشية من مساءلة؟
فبكل علانية ووضوح قالت الرئيسة المؤقّتة لجمهورية أفريقيا الوسطى أن حكومتها عاجزة عن ضمان سلامة المسلمين الذين يغادرون البلاد جراء المذابح التي يتعرضون لها.
وجاء هذا التصريح على لسان الرئيسة المؤقتة في زيارة لها لدولة تشاد التي ينزح إليها وإلى غيرها عشرات الآلاف من المسلمين الفارين من القتل الوحشي الذي لا يتوقف.
وتؤكد المنظمات الدولية أن حرب الإبادة هذه تقع من نصارى مجرمين تجاه مسلمين، فقد قالت منظمة العفو الدولية: أن محاولات التخلص من المسلمين بجمهورية أفريقيا الوسطى على يد المليشيات النصرانية المسلحة دفعت لوقوع نزوج جماعي تاريخي لعشرات الآلاف من المسلمين، والذي يصاحب وقوعهم ضحية لأعمال عنف منظمة لدفع المسلمين لترك البلاد بالقوة.
ونقلت شبكة “سي إن إن” عن رئيس وكالة الأمم المتحدة للاجئين “أنتونيو جوترز” قوله “أنه شاهد عيان على كارثة إنسانية في الجمهورية الإفريقية؛ حيث يتعرض المسلمون للقتل بوحشية وعنف، يشمل الأطفال والنساء والمسنين العزل، علاوة على ارتفاع وحدة نبرة التهديد والوعيد؛ حيث تصر مليشيات النصارى على القضاء على المسلمين”.
ومن المؤكد أن قتل المسلمين وتهجيرهم من أفريقيا الوسطى هو عمل مشترك بين الداخل والخارج وذلك بعد إسقاط أول رئيس مسلم في تاريخها في مارس 2013، فاستطاع النصارى التآمر داخليا مع فرنسا فأطاحوا بالرئيس المسلم الذي لم يكمل عامه الأول في الحكم وذلك في يناير الماضي، ثم بدأت بعد ذلك أعمال القتل الهمجي الوحشي والتهجير كي لا يكون للإسلام ولا للمسلمين وجود سياسي ولا حتى وجود حقيقي.
ودماء المسلمين في كل مكان في الأرض دماء غير مهتم بها ولا يحسب لها حساب في العالم الغربي، وليس أدل على ذلك من وجود قوات غربية فرنسية في أفريقيا الوسطى طلبت منها الرئيسة البقاء حتى موعد الانتخابات المقبلة، ووجود قوات أخرى إفريقية تابعة للأمم المتحدة وللاتحاد الإفريقي، ولكنها أيضا لا تحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيها في شيء.
ولا أعجب من الصمت الغربي إلا صمت المسلمين الذين يصطرخون في أودية شتى لا يجمعهم جامع ولا يربط بينهم رابط، فالكل مشغول بمشاكله الداخلية، وخلافاته الحدودية، وعلاقاته الإقليمية وتأثيرها على السياسة الداخلية.
فهل يمكن أن يكون للأمة الإسلامية التي تزيد عن المليار ونصف صوت أو كلمة مسموعة في العالم وهم متشرذمون متفرقون لا يوجد بينهم من يمكنه أن يتحدث في مشكلة أفريقيا الوسطى بطريقة مغايرة لطريقة الشجب والاستنكار والإدانة وإصدار البيانات والإدلاء بالتصريحات؟
فهل يمكن أن يأتي اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون تحت مظلمة واحدة، ليناقشوا مشكلاتهم وليخرجوا بكلمة موحدة أم أنهم سيظلون دون تغير؟
مركز التأصيل للدراسات والبحوث