لماذا اخترنا الملف؟

لا يخفى على متتبع لحال المغرب قبيل الاستعمار أن العلماء الذين سلموا من آفة الجمود والتقليد لعبوا دورا كبيرا في محاولة إنقاذ البلاد من مخالب الاستعمار، ومعالجة أسباب الضعف، وعلى رأسها التخلف الفكري.

ونسجل في هذا الصدد جهود العالم السلطان المولى سليمان الذي دق في عهده ناقوس الخطر، فقد اجتهد في إصلاح أحوال البلاد و دعا إلى التحرر من الجمود وعناصر التخلف والانحطاط فتحسنت بذلك مختلف المناحي: العلمية والسياسية والاقتصادية والأمنية..، كما بينه صاحب الاستقصا، وآزره في ذلك جمع من العلماء كابن شقرون الفاسي، ومحمد بن عثمان المكناسي، والطيب بن كيران وغيرهم.
وقد قال في سياق تحذير المغاربة من مغبة وعاقبة ما تفشى بينهم من الفكر الخرافي:
“فإياكم ثم إياكم والبدع فإنها تترك مراسم الدين خالية خاوية، والسكوت عن المناكر يحيل رياض الشرائع ذابلة ذاوية، فمن المنقول عن الملل والمشهور في الأواخر والأول أن المناكر والبدع إذا فشت في قوم، أحاط بهم سوء كسبهم، واظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلات، وشحت السماء، وحلت النقماء وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفت الضروع، ونقعت بركة الزروع، لأن سوء الأدب مع الله يفتح أبواب الشدائد، ويسد طرق الفوائد”.
وكأنه يشير بهذا الكلام إلى ما جاء بعده من تطاول على البلاد من طرف الآلة العسكرية الأوروبية التي تداعت علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وقد كان المغرب من حظ فرنسا في ذلك التداعي.
ونسجل هنا أيضا جهود أولئك العلماء من أجل إصلاح الجيش كعامل مهم في مواجهة العدوان المذكور ومن ذلك الرسالة التي ألفها بنعزوز المراكشي (رسالة العبد الضعيف إلى السلطان الشريف) ورسالة محمد الكردودي (كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على الأمة).
وبعد أن خيم شبح الاستعمار على أجواء البلاد بعد مقاومة شديدة من طرف السلطان المولى عبد العزيز والسلطان العالم المولى عبد الحفيظ الذي بذل كل ما في الوسع لوقاية المغرب من الحماية الفرنسية.
بعد ذلك كله كان الفضل في مقاومة الاستعمار ودحره بعد الله راجعا أيضا إلى أولئك العلماء، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن العربي العلوي الذي وضع النواة الأولى للحركة الوطنية المقاومة للاستعمار، بشهادة الأستاذ علال الفاسي وغيره من زعماء الحركة.
وبعد أن ولى الاستعمار العسكري انخرط العلماء في عملية البناء والإصلاح ووضع قطار التنمية في مساره الصحيح، ونمثل لذلك بجهود المشايخ: محمد الحجوي الثعالبي، وعبد الرحمن النتيفي، ومحمد المكي الناصري.
ثم سحب البساط تدريجيا من تحت أقدام العلماء بمكر ودهاء معروفين، وأجهض مشروعهم الإصلاحي الذي أريد له أن يستبدل بالمشروع الاستغرابي العلماني.
ومنذ ذلك الحين والعلماء يحاصرون ويقصون ويضيق مجال تحركهم.
ولقد تم التوصل إلى الإقصاء المطلوب عبر حرب علمانية إرهابية استعملت شتى الوسائل مستعينة بعدو الأمس الذي بذل الشرفاء نفوسهم من أجل إخراجه من البلاد، فخرج بجيشه مخلفا فكره ومناهجه، وقد ولى عليها خدامه الأوفياء وعملاءه الأصفياء.
ولقد كانت كثير من الصحف والمجلات منبرا من المنابر الإعلامية التي رقاها العلمانيون من أجل ممارسة إرهابهم الفكري والدعائي على العلماء، وهو ما صرنا نرى له في السنوات الأخيرة تجليات عدة في هذا الشهر الفضيل الذي لا تجد الصحف فيه أفضل من الطعن في العلماء وإثارة الشبه حول دعوتهم.
من هنا جاء هذا الملف لتبصير القارئ المغربي بهذا المكر المبيت من طرف العلمانيين اتجاه العلماء والدين عموما، وقد جعلنا واقعة الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي أستاذ التعليم العالي بجامعة القرويين ورئيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة نموذجا، لما أحيطت به هذه الواقعة من هالة وتضخيم جعلها قضية تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام الوطني والدولي أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *