أطفال الشوارع بالمغرب: أرقام مخيفة تنبئ عن هشاشة البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية

لقد أجمعت الدراسات والأبحاث الحديثة أن نسبة الأطفال المشردين في زيادة مستمرة ويرجع ذلك إلى عدة أسباب سوف يتم الحديث عنها في أوراق هذا الملف، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هنا هو لفت الانتباه إلى خطورة هذه الظاهرة على المجتمع، فهؤلاء الأطفال يشبهون القنبلة الموقوتة، التي تتطلب الحرص والدقة في التعامل معها حتى يمكن نزع فتيلها قبل أن تنفجر في وجه المجتمع ككل وتهدد أمنه وصيرورته.

وفي هذا الإطار فهناك نقطةً هامةً يجب التركيز عليها وهي أن ظاهرة أطفال الشوارع ليست موجودة في المغرب فقط بل إنها موجودة في كل بلدان العالم حتى العربية الموسرة مثل بلدان الخليج العربية أو حتى البلدان الأوروبية، وهذا ما أكدته الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة.

فقد أكدت دراسة أمريكية حديثة أجراها بعض الأطباء النفسيين أنه من بين الـ 100 مليون طفل المشردين في العالم، هناك أربعة ملايين منهم يعانون من الشلل الدائم بسبب العنف الذي يتعرضون له أو إصابتهم بجروح نتيجة الحروب المحيطة بهم، وأربعة ملايين طفل آخر يعيشون لاجئين في المخيمات.
وتقول الدراسة إن أغلب هؤلاء الأطفال منذ ولادتهم وهم على اتصال دائم بالشارع، فالأبوان يمتهنان التسول أو حرفًا بسيطة مثل العمل في جمع النفايات، فنجد الآلاف من هؤلاء الأطفال يولدون في الشوارع ويترعرعون فيها، حتى تتحول الشارع إلى بيت لهم، وأعمار هؤلاء الأطفال المتسولين تقع بين ست وثماني سنوات وتمثل الإناث الغالبية العظمى منهم.
وتُقدّر إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط عدد الأطفال المشردين الذين تطلق عليهم “الأطفال المتخلَّى عنهم” بنحو 400.000 وتزداد مشكلتهم استفحالاً في غياب المؤسسات القادرة على انتشالهم من التشرد والانحراف والضياع وتأهليهم نفسياً واجتماعياً. ويُعزى ارتفاع أعدادهم إلى انتشار ما بات يُعرف في المغرب بـ”الأمهات العازبات”، أي محترفات البغاء والزنا أو ضحايا الاغتصاب من الفتيات، وكذلك إلى حالات التسرب أو الإخفاق المدرسي الذي يدفع بآلاف الأطفال سنوياً نحو الشارع أو مجالات العمل اليدويّ.
وبحسب دراسة ميدانية صادرة عن أطفال الشوارع، شملت عينة من 711 طفلاً من هؤلاء، فإن التسول يأتي في مقدمة الأعمال التي يزاولها هؤلاء الأطفال بنسبة 18%، يأتي بعدها مسح الأحذية، وبيع الأكياس البلاستيكية 15 %، وغسل السيارات 13 %، ثم السرقة 6 %.
وتفيد بعض الأرقام الرسمية الصادرة عن الملتقى العربي الإفريقي حول الاستغلال الجنسي للأطفال بأن 23 طفلاً مغربياً يتعرضـون للاستغـلال الجنسي كل شهـر، وذكر “المرصد الوطني لحقوق الطفل” -وهو هيئة رسمية- أن نسبة ضحايا الاغتصاب وصلت إلى 17 % بالنسبة للإناث و28% بالنسبة للذكور في 2001، كما أشار إلى أن هناك حالات كثيرة أخرى لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الأعراف الاجتماعية السائدة، وكشف المرصد المشار إليه أنه تم تسجيل 112 حالة اغتصاب للأطفال في الفترة ما بين شهر يناير وشهر سبتمبر من عام 2004، و الرقم نفسه بالنسبة للأطفال ضحايا سوء المعاملة، أما مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل فسجلت بالنسبة لعام 2003 حوالي 76 حالة اغتصاب، وأكثر من 500 حالة معروضة على المحاكم و29 حالة تخص تسهيل دعارة القاصرين سنة.
أما في الأعوام القليلة الماضية، فقد برزت ظاهرة جديدة هي ظاهرة الهجرة السرية التي لم تعد تقتصر على الكبار، وإنما شملت حتى الصغار. وقد أصبحت شبكات الهجرة السرية تنشط في مجال ترحيل الأطفال القاصرين إلى إسبانيا عبر مضيق جبل طارق في رحلات بحرية قد تنتهي بكارثة، وتجد هذه الشبكات في تجارة تهريب القاصرين مصدراً للدخل، مستغلة ظروف الأسر المغربية وجهلها، إذ يركز هؤلاء المهربون على أن القانون الإسباني لا يجيز طرد القاصرين من التراب الإسباني، ويعطيهم أوراق الإقامة بعد بلوغهم السن القانونية، وبذا يصبحون فيما بعد أداة لخلاص أفراد عائلاتهم الآخرين عبر ترحيلهم هم أيضاً.
وتقدر السلطات الإسبانية عدد الأطفال القاصرين -أو غير المصحوبين بذويهم بحسب تعريف القانون الإسباني- بنحو2800 طفل، معظمهم يعيشون كأطفال شوارع في المدن الإسبانية المكتظة، لكن عدد من يعيش في مراكز إيواء القاصرين في سبتة ومليلية المحتلتين وغرناطة لا يتعدى العشرات، وقد عبّر فرع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” عن قلقه من سوء أوضاع الأطفال المتواجدين في هذه المراكز بإقليم الأندلس، وفي الغالب يقع هؤلاء الأطفال ضحية شبكات الدعاة والمتاجرة بالأطفال التي تنشط بكثافة في القارة الأوروبية. وبغية التغلب على هذه الظاهرة التي تزايدت في الفترة الأخيرة، أبرم المغرب وإسبانيا اتفاقاً يقضي بترحيل هؤلاء الأطفال نحو التراب المغربي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *