أقوال أئمة المالكية في حكم تارك الصلاة (عرض واستنتاج) حمّاد القباج

قال العلامة أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبو زيد القيرواني (310-386هـ):

“ومن العتبية قال ابن القاسم عن مالك: “ومن ترك الصلاة قيل له: صل فإن صلى، وإلا قتل. ومن قال: لا أصلي، استتيب، فإن صلى وإلا قتل. وكذلك من قال: لا أتوضأ. قال ابن الماجشون وأصبغ: إن قال لا أجحدها ولا أصلي، قتل.
قال ابن شهاب: “إذا خرج الوقت ولم يصل، قتل”.
قال محمد: وقاله حماد بن زيد، وقال تركها كفر يختلفون فيه. قال ذلك أيوب. فقال محمد: إنْ ترَك صلاة واحدة حل دمه.
قال ابن حبيب: “من تركها مكذبا أو متهاونا أو مفرطا أو مضيعا فهو بذلك كافر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ليس بين العبد والكفر إلا الصلاة”. فإن رفع إلى الإمام فعاود ما تركه فإن عاد إلى تركها فأوقفه فقال: أنا أصلي. فليبالغ في عقوبته حتى يظهر إنابته.
فإن قال: هي فرض، ولكن لا أصلي، قتل، ولا يستتاب ثلاثا، كذب بها أو أقر، إذا قال: لا أصلي. ولا يؤخر عن وقت تلك الصلاة”.
“النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات” (المجلد الأول الصفحة 150).

وقال أيضا: “وذهب ابن حبيب أن تارك الصلاة متعمدا أو مفرطا كافر، وأنه إن ترك أخواتها متعمدا؛ من زكاة، وصوم، وحج، فقد كفر. قال: وقاله بن عتيبة.
وقال غير ابن حبيب: إنه لا يكفر إلا بجحد هذه الفرائض، وإلا فهو ناقص الإيمان، ولأنه يوارث، ويصلى عليه، واحتج بحديث مالك، عن عبادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة”. وفي آخر الحديث: “ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة”. وهذا يبين معنى الحديث الذي ذكره ابن حبيب. والله أعلم.
“النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات” (المجلد الأول الصفحة 151).

قال العلامة الفقيه أبو الوليد محمد ابن رشد القرطبي (الحفيد) (520 – 605 هـ):
“وأما ما الواجب على من تركها عمدا، وأُمر بها فأبى أن يصليها، لا جحودا لفرضها، فإن قوما قالوا: يقتل، وقوما قالوا: يعزر، ويحبس، والذين قالوا: يقتل منهم من أوجب قتله كفرا وهو مذهب أحمد وإسحاق وابن المبارك، ومنهم من أوجبه حدا وهو مالك والشافعي.
وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر ممن رأى حبسه وتعزيره حتى يصلي.
والسبب في هذا الاختلاف: اختلاف الآثار.
وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس”.
وروي عنه عليه الصلاة والسلام من حديث بريدة أنه قال: “العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر”.
.. فمن فهم من الكفر هاهنا الكفر الحقيقي جعل هذا الحديث كأنه تفسير لقوله عليه الصلاة والسلام: “كفر بعد إيمان”، ومن فهم هاهنا التغليظ والتوبيخ أي أن أفعاله أفعال كافر، وأنه في صورة كافر، كما قال: “لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن ..”؛ لم ير قتله كفرا.
وأما من قال: يقتل حدا، فضعيف ولا مستند له، إلا قياس شبه ضعيف إن أمكن؛ وهو تشبيه الصلاة بالقتل في كون الصلاة رأس المأمورات، والقتل رأس المنهيات .
وعلى الجملة، فاسم الكفر إنما يطلق بالحقيقة على التكذيب، وتارك الصلاة معلوم أنه ليس بمكذب إلا أن يتركها معتقدا لتركها هكذا، فنحن إذن بين أحد أمرين: أما إن أردنا أن نفهم من الحديث الكفر الحقيقي، فيجب علينا أن نتأول أنه أراد عليه الصلاة والسلام من ترك الصلاة معتقدا لتركها، فقد كفر.
وإما أن يحمل على أن اسم الكفر على غير موضوعه الأول، وذلك على أحد معنيين: إما على أن حكمه حكم الكافر: أعني في القتل، وسائر أحكام الكفار، وإن لم يكن مكذبا.
وإما على أن أفعاله أفعال كافر على جهة التغليظ، والردع له؛ أي أن فاعل هذا يشبه الكافر في الأفعال، إذ كان الكافر لا يصلي ..، وحمله على أن حكمه حكم الكافر في أحكامه، لا يجب المصير إليه إلا بدليل، لأنه حكم لم يثبت بعد في الشرع من طريق يجب المصير إليه، فقد يجب إذا لم يدل عندنا على الكفر الحقيقي الذي هو التكذيب أن يدل على المعنى المجازي، لا على معنى يوجب حكما لم يثبت بعد في الشرع، بل يثبت ضده، … فتأمل هذا، فإنه بيِّن والله أعلم: أعني أنه يجب علينا أحد أمرين: إما أن نقدر في الكلام محذوفا إن أردنا حمله على المعنى الشرعي المفهوم من اسم الكفر، وإما أن نحمله على المعنى المستعار.
وأما حمله على أن حكمه حكم الكافر في جميع أحكامه مع أنه مؤمن، فشئ مفارق للأصول، مع أن الحديث نص في حق من يجب قتله كفرا أو حدا، ولذلك صار هذا القول مضاهيا لقول من يُكفِّر بالذنوب”اهـ.
بداية المجتهد (ج 1 / ص 77)

 قال الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (626 – 684هـ):

“من جحد وجوب صلاة من الخمس أو ركوعها أو سجودها كفر، لأنه معلوم من الدين بالضرورة، وكل من جحد ما علم من الدين بالضرورة فهو كافر في الصلاة أو غيرها؛ وإن اعترف بالوجوب ولم يصل، فليس بكافر خلافا لابن حنبل؛ وقال ابن حبيب يكفر بترك الصلاة والزكاة والصوم والحج، محتجا بقوله عليه السلام في مسلم: “بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة”، ويروى “وبين الكفر”. جوابه أن معناه: وبين حكم الكفر، على حذف مضاف، وحكم الكفر القتل؛ ويعضده قوله عليه السلام في الموطأ: “خمس صلوات كتبهن الله على العباد. فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة؛ ومن لم يأت بهن، فليس عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة”. وهو نص في جواز دخول تاركها الجنة، فلا يكون كافرا؛ ولأنه لا يكفر بفعل ما علم تحريمه بالضرورة إجماعا، فلا يكفر بترك فعل ما علم وجوبه، بجامع مخالفة ضروري في الدين؛ ويروى أن الشافعي قال لأحمد إذا كفرته بترك الصلاة وهو يقول لا إله إلا الله، بأي شيء يرجع إلى الإسلام؟ فقال بفعل الصلاة، فقال له إن كان إسلامه يترتب عليها، فتكون واقعة في زمن الكفر فلا تصح؛ وإن لم يترتب عليها، لم يدخل بها؛ فسكت أحمد رضي الله عنهما. وإذا لم يكفر فيقتل عند مالك و(ش) حدا، خلافا (ح) وبعض أصحابنا، لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[سورة التوبة: الآية. 5].
فاشترط في ترك القتل بعد التوبة إقامة الصلاة ولم يقمها فيقتل، وللحديث السابق، وإجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة مع أبي بكر رضي الله عنهم”.
“الذخيرة” الجزء الثاني الصفحة (482-483).

استنتاجات:
1- جمهور المالكية مجمعون على وجوب قتل تارك الصلاة.
2- اختلفوا هل تشترط استتابته أو لا.
3- وذلك بناء على اختلافهم في كفره؛ هل هو كفر مخرج من الملة؛ فقال ابن حبيب بذلك، وخالفه الأكثرون؛ حيث ذهبوا إلى أن كفره عملي.
4- وتبعا لذلك اختلفوا هل يقتل حدا أو ردة، والراجح المشهور أنه يستتاب، وأنه يقتل حدا.
5- يرى ابن رشد أن هذا الحكم لا دليل عليه، وكأنه يميل إلى مذهب أبي حنيفة القائل بأن تارك الصلاة غير الجاحد يعزر ولا يقتل.
6 واتفقوا على أن تاركها جحدا وإنكارا لفرضيتها كافر كفرا مخرجا من الملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *