المغاربة والمسجد الأقصى.. تاريخ العلاقة

 

على مر التاريخ كان للمسجد الأقصى مكانة خاصة عند المسلمين، فجعلوه مقصدا لشد الرحال والمجاورة، ولحرصهم على زيارته كانوا يخصون له زيارة بعد مواسم الحج والعمرة، عند قدومهم من أصقاع الأرض إلى الشرق، وقد اهتم المغاربة خاصة بالمسجد الأقصى، وشجعوا سكان بلدان المغرب والأندلس على الرحلة إلى هذه المدينة المقدسة.

شيئا فشيئا، صار للمغاربة حضور في القدس، يرجع تاريخه إلى 296هـ/ 909م، لتأسس بعد ذلك حارة خاصة بهم كانت بمنزلة الحي، بل إن أحد أبواب مدينة القدس في سورها الغربي لا يزال يُسمى إلى يومنا هذا بباب المغاربة، لأن اليهود أزالوا حي المغاربة التاريخي ودمروه سنة 1967.

وتشير تقديرات المعطيات التاريخية أن المغاربة شكلوا ما بين 20-25% من الجيش الذي قاده صلاح الدين الأيوبي وانتصر به في معركة “حطين” التي استرجع فيها القدس من يد الصليبيين في يوليوز سنة 1187.

وقال المؤرخ أحمد بن خالد الناصري في كتابه “الاستقصا”: “جهّز المنصور (يعقوب المنصور الموحدي) 180 سفينة حربية وأرسلها لصدّ الهجوم الصليبي البحري على كل من فلسطين والشام”.

وكشهادة على شراسة المغاربة في الدفاع عن المسجد الأقصى قال القائد صلاح الدين الأيوبي فيما يروى عنه: “أسكنتُ هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يُؤتـَمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة”.

كما أرخت كتب الرحلات التي خلفها العديد من الرحالة والعلماء المغرب للوجود المغربي في القدس الشريف، ومن أقدم هذه الرحلات تلك التي تؤرخ لزيارة القاضي الإمام عبد الله بن العربي الذي رحل بطلب وسفارة السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين، بصحبة ولده القاضي أبي بكر سنة 1092م، متوجها إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله في بغداد، وذلك قبل احتلال القدس على يد الصليبيين بسبع سنوات.

وقد ارتقى المغاربة إلى مناصب مرموقة في القدس مثل القضاء والإفتاء والفقه والتدريس وغيرها، وقد توسعت هجرتهم في عصر المماليك، وكان من أشهر المغاربة الذين زاروا القدس حينذاك الرحالة الشهير ابن بطوطة، كما احتفظ المغاربة بمكانة خاصة لدى العثمانيين الذين دخلوا المدينة سنة 1517م وضموها لدولتهم، حيث تشكّلت معالم المنطقة السكنية الخاصة بالمغاربة في القدس التي كانت تُسمى بحي المغاربة أو محلة المغاربة أو حارة المغاربة.

وذكرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب أن أكثر أوقاف المغاربة في القدس الشريف قرب ما يسمى بـ”حائط المبكى” وهي بنايات قديمة يرجع البعض منها إلى عهد الدولة المرينية، وتوجد خارج السور قرب مقبرة المسلمين بقعة أخرى مساحتها 400 متر مربع، وقد أقدمت السلطات الصهيونية على هدم 270 ملكا وقفيا حتى نهاية عام 1977. ولم يبق قائما إلى الآن (1977) إلا أربع بنايات… ويبلغ عدد المغاربة المقيمين بالقدس 2740 فردا يتوصلون بإعانات سنوية من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المملكة المغربية باسم الملك.

مثل المغاربة وجها مشرقا للعلاقة مع المسجد الأقصى وأرض المقدس منذ قرون طويلة، لكن الصهاينة لم يحفظوا جميل الاحتضان والإيواء بعد محاكم التفتيش الشهيرة، وطعنوا الأمة في الظهر بعد مشاركتهم في احتلال فلسطين، واقتراف جرائم حرب، بما في ذلك هدم حارة المغاربة، وتشريد أهلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *