موضوع التربية والتعليم من المواضيع التي شغلت بال الباحثين والدارسين؛ ورجال التربية القائمين على هذا الشأن؛ خاصة في هذا العصر الذي طغت فيه حملات التغريب وموجات الانحلال؛ وتجبر فيه الغرب وعمل على فرض ثقافته على العالم أجمع بقوة الحديد والنار.
فأي بلد يطمح إلى رسم سياسة تعليمية مستقلة، لا بد له أن يعتمد على موارده الذاتية، حتى يكون له استقلال في اتخاذ القرار، وبناء نظام تعليمي غير مستورد، لكن جل البلدان العربية والإسلامية مع الأسف الشديد لا تملك من المؤهلات البشرية والموارد المادية ما يمكنها من بناء نظام تعليمي مستقل، لذلك فهي تفتح أبوابها لدعم الأجنبي، شيء طبيعي إذن أن يكون دَعْم الأجنبي مشروطاً بمجموعة من الضرائب المعنوية.
فالمنهج الدراسي يقوم على أسس ومنطلقات عقدية وفكرية واجتماعية يؤمن بها ذلك البلد، وتلك الأسس والمنطلقات هي ما يؤمن به المجتمع ويعتقده، لذا فلا بد أن يكون المنهج صادقاً في تمثلها وتحقيقها، لأنه من أهم الوسائل في تحديد شخصية المجتمع وكل فرد ينتمي إليه.
وتخطيط المنهج التعليمي بمفهومه الشامل في علم المناهج الذي يشمل (الأهداف، والمحتوى العلمي، والكتاب، والمعلم، والطالب، والمدرسة..) يُعنى بتحقيق الأهداف التربوية التي تنطلق من عقيدة الأمة، ويتطلع المجتمع إلى تحقيقها، وهذا يعني تحديد نوعية التربية التي نريدها.
لما صدر التقرير الأمريكي المشهور “أمة في خطر” Nation at Risk قال الرئيس “رونالد ريجان” حينها: “لو أن هذه المناهج التي بين أيدينا فرضتها علينا أمة من الأمم لاعتبرنا ذلك اعتداءً سافراً علينا”، قال ذلك لأنه يدرك جيدا أن الجيل الذي يتم شحنه وتعبئته بهذه المعلومات هو جيل الذي سيتشكل منه غدا الزعيم السياسي والخبير الاقتصادي والباحث الاجتماعي؛ وهو الجيل الذي سيتقلد مراكز القرار والمسؤولية.
ومن هنا نفهم سعي الدول الغربية الحثيث إلى تعميم مناهجها ومقرراتها الدراسية على كثير من الدول العربية والإسلامية؛ وبذلها أموالا طائلة لتحقيق ذلك؛ ففي المغرب مثلاً تتعدد لدينا الأنساق التعليمية، فليس لدينا نسق تعليمي واحد، صحيح أنه يوجد لدينا في المغرب مؤسسات ثانوية، وأساسية أجنبية فرنسية بوجه خاص، ولكن الأخطر من ذلك هو اعتماد مناهج تعليم فرنسية في المدارس المغربية، بحيث إن رياض الأطفال الآن في المدن الكبرى: فاس والرباط والدار البيضاء ومراكش وأكادير.. مثلاً، تعتمد اللغات الأجنبية في رياض الأطفال منذ البداية، والكتب المدرسية المقررة للناشئة تأتي مباشرة من فرنسا -وغيرها- معبأة بحمولاتها الثقافية والفكرية الأخلاقية والعقدية.
إضافة إلى ذلك يعاني التعليم عندنا من تدهور كبير وعجز يميل إلى الشلل، وثمة انفصاما كبيرا بين ما يتلقاه الطالب طوال سنين دراسته وبين ما يعيشه في حياته أو تتطلبه ميادين العمل، فتجده يحشو دماغه بركام من المعلومات التي لا يفهمها غالبا، ليستظهرها يوم الامتحان أو يستعين بما يحضره من وسائل الغش، ثم بعد ذلك يرمي بهذه المعلومات وراءه ليستقبل شحنة جديدة في العام الذي يلي، وهكذا دواليك .
وعندما ينهي دراسته ويحصل على الشهادة يحس بنفسه وكأن عقله عبارة عن قارورة مثقوبة من الأسفل كلما ملأها من فوق أفرغت من تحت.
ثم إن التعليم بالنسبة لنا كمغاربة مسلمين لا ينفصل أبدا عن التربية، بل إن العلم إنما جاء لتربية الإنسان، وربطه بالله عز وجل، ونشر الخير بين الناس، ولذلك نجد أن الله عز وجل ربط بين العلم والتربية، فقال سبحانه: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ” (محمد)، فهما أمران متتابعان: (اعلم واستغفر، علم وعمل).
ونحن اليوم إذ نرى واقع التعليم في بلدنا نجد أننا فرطنا كثيرا في جانب التربية والخُلـُق، وأصبح تعليمنا يركز على التعليم المهني، ويهدف إلى تخريج الموظفين والعاملين لا إلى تربية المجتمع وهدايته وتأطيره؛ وباتت مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية مرتعا لعرض الأجساد العارية وانتشرت فيها العديد من السلوكات المخلة بالأخلاق والقيم؛ أما الوضع في الجامعات والأحياء الجامعية فقد وصل مرحة متقدمة من الانحراف بلغت تخصص بعض الطالبات في مجال الدعارة والعهر.
يقول الجنرال “ألبرت ميرجلان” خبير الاستراتيجية الدولية: “هناك حالياً اتجاه يسرف في الحكم على الدول وفقاً لعدد دباباتها وطائراتها المقاتلة! والواقع أن كَمَّ وكيف التعليم هو الذي سيكون العامل الأكثر حسماً في المستقبل القريب.. فليست المعركة العسكرية هي التي ستحدد مصير الأمم الصغيرة والمتوسطة في العالم، بل إن الذي سيفعل ذلك هو النمو الفكري والفني الدائم للأفراد”.
ولتجليت الصورة أكثر حول هذا الملف الحساس والمهم ارتأت جريدة السبيل فتح النقاش حوله.