لماذا لم يحقق المغرب الاكتفاء الذاتي في زراعة الحبوب؟

 

من الممكن للمغرب أن يحقق اكتفاءه الذاتي من استهلاك الحبوب، وبفائض يخول له إمكانية التصدير إلى الخارج، لكننا لم نصل بعد إلى سد حاجيات الاستهلاك الوطني، لأن هناك عوامل تأثر في كمية الحبوب المزروعة والمنتجة في كل سنة.

حيث يتراوح متوسط الإنتاج المغربي من الحبوب ما بين 50 إلى 70 مليون قنطار سنويا، وتغطي زراعة الحبوب 75 في المائة من المساحات المزروعة وهو ما يعادل 5.3 مليون هكتار من إجمالي المساحة التي تصل إلى 7.4 ملايين هكتار، تتراوح المساحة المزروعة بالحبوب ما بين 59 إلى 75 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة، تتوزع ما بين القمح اللين بنسبة 45 في المائة، والشعير بنسبة 35 في المائة، والقمح الصلب بنسبة 20 في المائة.

أما حاجيات الاستهلاك الوطني من القمح فتتراوح ما بين 134 و136 مليون قنطار، بينما يصل الاستهلاك المتوسط للفرد سنويا إلى نحو 200 كيلوغرام، وهو ما يعادل 3 مرات متوسط الاستهلاك العالمي، أما الإنتاج المحلي من الحبوب فيغطي نحو 55 في المائة من الحاجيات الوطنية، أي بخصاص 45 في المائة.

ورغم أن زراعة القمح تعتبر تقليدا اعتادت عليه الأسر المغربية القروية، وحتى من يقطن بالمدينة وله شغف بالفلاحة وارتباط بالبادية، ومع وجود زراعات أخرى، كالأشجار، والزيتون، والحوامض، إلا أن الحبوب تبقى ذات أهمية خاصة لارتباطها بطعام المواطن المغربي ومن أهم مكونات مائدته، لأنها تحيل بشكل تلقائي على “الخبز”.

ولم ترق إستراتيجية مخطط المغرب الأخضر، إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، ومن الممكن أن نرجع ذلك إلى عدم إيلاء زراعة الحبوب الأهمية اللازمة بحسب مهنيين.

ولم يقدم المخطط الأخضر أي دعم للفلاحين الصغار والمتوسطين، الذين يقبلون على زراعة الحبوب بكثرة، بالإضافة إلى العشوائية والارتجالية التي تعرفها هذه الزراعة، مع غياب سياسة وتخطيط محكم من شأنهما أن يساهما في زيادة الإنتاج.

كما تتحكم عدة عوامل في الكمية التي ينتجها الهكتار الواحد من الحبوب، من قبيل الظروف المناخية، لأن الفلاح الصغير يعتمد على الزراعة البورية التي تعتمد على الأمطار، بالإضافة إلى جودة المواد وكميتها التي تعتبر ضرورية في الزراعة الحديثة لتحقيق مردودية جيدة وبكميات كبيرة من بذور مصنفة، وأسمدة، ومبيدات.

ويعاني كذلك الفلاح الصغير من غلاء البذور المصنفة التي تبيعها الشركات المتخصصة كسوناكوس، والتي يتراوح ثمنها بين 350 و400 درهم وقد تصل مع المضاربة إلى 500 درهم، وهو أمر مكلف يدفع الفلاحين الصغار والمتوسطين، إلى التقليل من المساحة المزروعة.

ويُسحق الفلاح كذلك بعملية تسويق المحاصيل الزراعية من الحبوب، والتي تتم بطرق تعسفية وظالمة، يستفيد منها السماسرة على الخصوص، حيث يعتبر الفلاح الصغير والمتوسط، من ضحايا سوق السوداء والمضاربة في الأسعار.

ويستغل هؤلاء ضيق ذات يد الفلاحين، والذين لهم تبعات مالية من ديون ومصاريف عالقة، والتي تضطرهم لبيع محصولهم الزراعي، مع نهاية كل موسم حصاد بثمن بخس، لا يرقى حتى إلى التسعيرة التي تحددها الدولة عادة في 280 درهم، مما يزيد من تردي أوضاعهم ويكرس معاناتهم.

هذه العوامل وأخرى جعلت العديد من الفلاحين يعزبون عن زراعة الحبوب، واستبدالها إما بالقطاني، أو الحبوب الطبية أو الأشجار المثمرة، الأمر الذي يجعل تحقيق المغرب لاكتفاء ذاتي في إنتاج الحبوب بعيد المنال ويستحيل تحقيقه مع هذه العوامل التي ترهق الفلاح وتكبح إنتاجيته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *