1ــ نلاحظ عودة وبروز الوجه الهمجي للكيان الصهيوني مع اليمين المتطرف ونتنياهو، خاصة ما وقع طيلة هذا رمضان بالقدس والمسجد الأقصى، ما حجم قوة كيان الاحتلال الصهيوني بين الأمس واليوم؟
التطبيع نقاش مهم ومطروح ليس فقط كمواقف سياسية للرفض أو القبول وإنما كموضوع للتدقيق.
يجب أن نسجل ملاحظات، أولها، أن التطبيع الذي يحاول اليوم أن يفرض على بعض الدول العربية لا علاقة له بنمط التطبيع السابق، يجب أن لا نقع في المغالطة اللغوية، المعاني متعددة والألفاظ محدودة، والألفاظ عندما تصبح مصطلحات، تتسع وتضيق، وأحيانا تتحول من معنى إلى معنى، ولهذا فالتطبيع الذي جاء تبعا لهزيمة 67 وكامب ديفيد، كان في مرحلة ذات طبيعة عسكرية وسياسية، وكان يعكس ميزان قوى، الأساسي فيه، كانت إسرائيل ككيان وليس دولة.
كما ان كامب ديفيد كان موضوعها الرئيسي هو أن ترفع مصر يدها عن الشرق الأوسط لكي تستأثر إسرائيل بلبنان وسوريا والأردن والعراق والخليج العربي، وإلا ما كان يتصور تطبيعا مع 80 مليون مصري، وكان فصل الارتباط بين إسرائيل ومصر مقصود به حل الأخيرة لمشاكلها بعيدا عن الشرق الأوسط عبر السودان وليبيا، وبالتالي قسمة تبدو في نظر الإمبريالية الأمريكية عادلة. لأن الشرق الأوسط لا يحتمل إسرائيل ومصر في نفس الوقت، وهذا قبل دخول إيران وتركيا على الخط. وكان المقصود بالتطبيع هو فصل الارتباط السياسي والعسكري والاقتصادي بين مصر واسرائيل.
أما التطبيع مع الأردن، نفس الشيء كان المقصود به أن ترفع يدها على ما كانت مسؤولة عنه في فلسطين المحتلة، بالضفة الغربية على الخصوص، وتركوا لها المسؤولية الدينية في القدس. وعموما كان شرط ذاك الزمن هو الإمبريالية الأمريكية وأداتها في الشرق الأوسط إسرائيل. وكانت الأخيرة وسيدتها في شروط هجوم لكن الآن، لا، موضوعيا هم يظهرون كمهاجمين لكنهم مدافعين، يحاولون الحفاظ فقط على المكتسبات في شروط لم تعد فيها المكتسبات ممكنة الحفاظ عليها أي الهيمنة عن طريق الهبة والظهور بمظهر القوة الذي يخفي الضعف.
2ــ هل لأمريكا يد فيما عرف بصفقات التطبيع العربية؟ وماذا تريد بالضبط من البلدان العربية؟
التطبيع اليوم بالنسبة لاسرائيل ولسيدتها الإمبريالية الأمريكية، أو الحلف الأطلسي، هو فرض الإعتراف بوجود إسرائيل وبالتساكن والتعايش معها وقبولها ضمن البنية البشرية والاقتصادية والجغرافية الموجودة بها. إذن شتان بين إسرائيل بدون حدود وتطمع في أن تتوسع إلى الفرات وتتجاوز النيل، إلى إسرائيل لا تنازع مصر في حدودها ولا تطمع في العراق.
وهزيمة الاحتلال في لبنان وعدم قدرتها على العراق كان مؤشرا قويا على أن إسرائيل العسكرية انتهت ولم تعد بالقوة التي كانت عليها في السابق. إذن إسرائيل اليوم في شروط دفاع وليست في شروط هجوم، وهذا خطأ من يفكرون اليوم بذاكرة الأمس، لا علاقة نهائيا.
طبعا نحن ضد التطبيع لا في نمطه الأول ولا في نمطه الثاني ولكن علينا أن نحدد عدونا لكي نهاجمه ونحاربه ونقاومه. وبالتالي أمريكا تبحث لها عن اندماج في المحيط، بوسائل سلمية ومدينة واقتصادية، هذه وظيفة التطبيع اليوم. والضغط على الشعوب العربية لكي تقبلها طبعا بعلتها الأساسية، اضطهاد الشعب الفلسطيني.
أمريكا تحاول تكييف إسرائيل من كيان عسكري إلى كيان رأسمالي مدني، يستغل قدراته التكنولوجية والمالية والصناعية والعلمية للسيطرة بدل الوسائل العسكرية، وبالتالي التخريب والحفاظ على التجزيء بوسائل ناعمة.
التطبيع في المغرب جاء نتيجة مساومة تبدو برغماتية وعادلة، وهو ليس نتيجة لميزان قوى مختل، بل نتيجة الحاجة وبالتالي جرت بمساومة، في حالة المغرب هو ملف الصحراء، سنعترف لكم بالصحراء مقابل التطبيع. هذا ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مفكر وأستاذ جامعي متقاعد