رخصة الإفطار

 ويرخَّص للمريض والمسافر أن يفطرا ويجب عليهما القضاء:

لقول الله تعالى: “فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “أي المريض والمسافر لا يصومان في حال المرض والسفر.. بل يفطران ويقضيان بعد ذلك من أيام أخر”.
ويشرع للمسافر أن يفطر ولو لم يخرج من بلده:
عن محمد بن كعب قال: أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفرا، وقد رحلت له راحلته ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل. فقلت: سنة؟ فقال: سنة، ثم ركب.
 والذي يكثر السفر لا يخرج عن الحكم السابق:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه؛ كالتاجر الجلاب الذي يجلب الطعام وغيره من السلع.. وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين، وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه.
فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه، ولا يزال مسافرا؛ فهذا لا يقصر ولا يفطر”.
فإن قيل: أيهما أفضل للمسافر: الفطر أم الصيام؟
قلت: ورد في السنة التخيير:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل حمزة بن عمرو الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر؟ فقال: «إن شئت فصم وان شئت فأفطر».
ودل قوله تعالى: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ .
على أن الأفضل للمسافر أن يفعل ما هو الأيسر له، فإذا كان الأداء أيسر عليه من القضاء، فالأفضل له أن يصوم، وان كان القضاء بالنسبة إليه أيسر من الأداء، فالأفضل له الفطر، ثم يقضي الصيام في أيام أخر.
فإذا كان الأداء والقضاء بالنسبة إليه سواء، فالأفضل هنا أن يفطر لما رواه مسلم عن أبى مرواح عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال: يا رسول الله، أجد بي قوة على الصيام، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه».
وقد جاء النص بتأثيم من صام في السفر وهو يجد مشقة وعنتا:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما، ورجلا قد ظلل وجهه فقال: ما هذا؟ قالوا صائم قال: «ليس من البر الصوم في السفر».
قال الصنعاني: “وأما حديث “ليس من البر” فإنما قاله صلى الله عليه وسلم في من شق عليه الصيام، ويتم الاستدلال به على تحريم الصوم في السفر على من شق عليه” . .
 وأما الشيخ الفاني والمرأة العجوز والمريض مرضا مزمنا، ممن يشق عليهم الصيام فيفطرون، ويطعمون بدل كل يوم مسكينا:
لقول الله تعالى: “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” .
قال ابن عباس رضي الله عنه: «هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا؛ نصف صاع من حنطة».
وقال: «الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا».
 ويرخص كذلك للحامل والمرضع في الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله وضع عن الحامل والمرضع الصيام». أي وجوبه.
قال العلامة السبكي: “دل الحديث على عدم وجوب الصيام على الحامل والمرضع”.
وعليهما الفدية دون القضاء:
لما ثبت عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ أنه قال لأم ولد له حامل: «أنت من الذين لا يطيقونه، عليك الجزاء وليس عليك القضاء».
وصح أيضا نحوه عن ابن عمر ، ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة كما قال العلامة ابن قدامة في المغني (3/37)، وهو مذهب إسحاق بن راهويه كما في سنن الترمذي (3/ 95).
والفدية: هي أن يطعم المسلم بدل كل يوم أفطره مسكينا، ويقال لها أيضا الجزاء.
ويشرع للمسلم في ذلك ما ثبت عن أيوب عن أنس بن مالك: «أنه ضعف عن الصوم عاما، فصنع جفنة من الثريد، ودعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم».
فيصنع صاحب الفدية طعاما، ويدعو إليه المساكين بقدر الأيام التي عليه.
 وإذا شق عليه الصيام -وهو في الحضر- حتى اضطر للإفطار، جاز له أن يأكل قدر ما يدفع عنه الحرج؛ كما يضطر الإنسان لأكل الميتة، ثم يمسك بقية يومه ويقضي عنه يوماً آخر بعد رمضان:
لقول الله تعالى: “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ” .
وقال سبحانه: “فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *