تتكرر منذ عام 1967 اعتداءات الصهاينة على المسجد الأقصى، لتتعدد مظاهرها من اقتحام وتدنيس وترويع للمصلين.. وليس ذلك من العبث، أو من غير دراسة وتخطيط، بل لغايات أبرزها: قلب الحقيقة الحضارية للقدس والمسجد الأقصى، كذا قياس الضغط الجيوسياسي وحدوده في منطقة صراع وتوتر، بالإضافة إلى اختبار قدرات المقاومة وربما جرها إلى صراع مفتعل.. غايات لا يستهان بها وتجعل من التأريخ لاعتداءات الكيان الصهيوني على المسجد الأقصى أمرا مهما.
نقسم هذه الاعتداءات إلى ثلاث مراحل: اعتداءات القرن الماضي، اعتداءات القرن 21 م، اعتداءات ما بعد اتفاقيات “التطبيع”؛ نقف بعدها (هذه المراحل) عند الاعتداء الأخير مستحضرين سياق هذا الاعتداء ودلالاته.
– اعتداءات القرن الماضي
حصرتها وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) في 14 اعتداء، توزعت بين الإحراق والتخطيط له، واقتحامات مسؤولين صهاينة بين الفينة والأخرى، والتخطيط للتفجير، والسماح للمستوطنين بالصلاة فيه… وهذه بعض اعتداءات هذه المرحلة، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الفلسطينية:
7 يونيو 1967: دخول الجنرال موردخاي جور وجنوده للمسجد الأقصى المبارك بالتزامن مع حرب 67، وما رافق ذلك من رفع للعلم الإسرائيلي داخل المسجد وإحراق للمصاحف ومنع للمسلمين من الصلاة ومصادرة لمفاتيح أبواب المسجد.
21 غشت 1969: حيث تم إضرام النار في المسجد الأقصى، ليعتقل سائح أسترالي على خلفية ذلك.
28 يناير 1976: قرار المحكمة المركزية “الإسرائيلية” بحق اليهود في الصلاة بالمسجد الأقصى.
13 يناير 1981: اقتحام أفراد من حركة “أمناء جبل الهيكل” وجماعات أخرى المسجد الأقصى، كذا رفع “العلم الإسرائيلي” والتوراة داخله.
25 يوليوز 1982: التخطيط لنسف مسجد الصخرة من قبل يوئيل ليرنر أحد ناشطي حركة كاخ، ليتم اعتقاله بعد ذلك.
20 يناير 1983: تأسيس حركة متطرفة في كل من “إسرائيل” وأميركا تهدف إلى “إعادة بناء جبل الهيكل في موقع المسجد الأقصى”.
26 يناير 1984: إدخال كميات كبيرة من المتفجرات والقنابل اليدوية إلى المسجد الأقصى لنسف قبة الصخرة، والعملية قام بها يهوديان.
31 غشت 1997: كشف مخططات صهيونية للتدخل في بناء المسجد الأقصى وهندسته، بهدم القصور الأموية (محاذية للمسجد الأقصى) وتوسيع حائط البراق.
– اعتداءات القرن 21
وهي متعددة أيضا، ذكرت وكالة “وفا” منها عدة اعتداءات، لعل أبرزها:
28 شتنبر 2000: اقتحام أرييل شارون لساحات المسجد الأقصى، ما أدى إلى انطلاق انتفاضة الأقصى.
29 سبتمبر 2000: ارتكاب قوات الاحتلال جريمة شنعاء بحق المصلين في المسجد الأقصى، خلفت عشرات الشهداء والجرحى.
18 أبريل 2001: حيث تم بناء متحف يهودي بالقرب من المسجد الأقصى.
31 يناير 2003: شركة “إسرائيلية” تمارس الازدراء في حق المسجد الأقصى ورمزيته لدى المسلمين، وذلك بوضع ملصق يحمل صورة الأقصى على زجاجات نوع من خمور (الفودكا).
4 أبريل 2005: نشر تفاصيل خطة أعدتها شرطة الاحتلال، وتتضمن “تركيب أجهزة استشعار للحركة وكاميرات حول الأقصى”.
15 مارس 2010: سلطات الاحتلال تفتتح كنيس الخراب بجوار المسجد الأقصى.
7 يونيو 2011: اقتحام المسجد الأقصى من طرف عضو الكنيست ميخائيل بن آري وعشرات المستوطنين.
9 مارس 2014: اقتحام الأقصى مجددا من قبل الحاخام المتطرف يهودا غليك ومستوطنين آخرين، من جهة باب المغاربة.
5 ماي 2015: إصدار قرار قضائي يقضي بالسماح للحاخام المتطرف يهودا غليك باقتحام المسجد الأقصى من جديد.
24 ماي 2017: اقتحام باحات المسجد الأقصى من طرف ما يزيد على 400 مستوطن متطرف، بغرض الاحتفال بالذكرى السنوية لاحتلال القدس.
14 يوليوز 2017: إغلاق المسجد الأقصى بشكل كامل ومنع إقامة الصلاة والأذان فيه لأول مرة، بعد عملية فليطينية أدت إلى مقتل عنصرين من الشرطة “الإسرائيلية”.
… إلى غير ذلك من الاعتداءات التي شهدها المسجد الأقصى إلى غاية توقيع اتفاقيات “التطبيع”، حيث سيبدأ مسلسل آخر من الاعتداءات، ولكن في سياق جديد.
– اعتداءات مرحلة ما بعد “التطبيع”
وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاق التطبيع مع الكيان الثهيوني، يوم 13 غشت 2020؛ وبموجب هذا الاتفاق دخلت العلاقات العربية-“الإسرائيلية” مسلسلا جديدا، إلا أن هذا المسلسل لم يمنع الكيان الصهيوني من مواصلة سياساته الاستفزازية والعدوانية في حق المسجد الأقصى ومرتاديه من المسلمين.
-ففي 5 أكتوبر 2021، سمحت السلطات القضائية “الإسرائيلية” لليهود بأداء “الصلاة الصامتة” داخل المسجد الأقصى، وذلك برفع “الجُرمية” عن ذلك.
– وفي 22 ماي 2022، أدى مستوطنون صلوات تلمودية أثناء الاقتحام.. وذلك بعد حكم أولي أصدرته محكمة “إسرائيلية”، يسمح للمستوطنين بأداء صلواتهم التلمودية بصوت عالٍ. (حسب ما وثقته وكالة “الأناضول”).
– وهذا العام، 5 أبريل 2023: اقتحمت قوات الاحتلال الصهيوني المسجد الأقصى معتدية على المعتكفين فيه.
وذكرت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين أن “قوات الاحتلال اعتقلت أكثر من 500 فلسطيني خلال اقتحامها المسجد الأقصى”.
وكشف الهلال الأحمر الفلسطيني أن “عشرات من المعتكفين في المسجد أصيبوا”، إثر تدخل قوات الاحتلال.
وبررت سلطات الاحتلال هذا الاقتحام برغبتها في حماية المحتفلين بعيد الفصح اليهودي، مدعية “وجود محرضين داخل المسجد”.
– السياق والدلالات
ويأتي هذا الاقتحام الأخير في سياق دولي متوتر تسوى فيه عدة ملفات دولية، بعضها بالحديد والنار، وبعضها بالحوار والوساطة. ومن المستجدات المؤثرة في القضية الفلسطينية، والتي جاء الاقتحام في سياقها نذكر:
– المصالحة السعودية الإيرانية بوساطة صينية، وما يعنيه ذلك من تسوية عدد من الملفات العالقة في منطقة الشرق الأوسط (سوريا، اليوم، العلاقة بين المقاومة الفلسطينية والسعودية…)، كذا تدخل الصين بشكل غير مسبوق في الشرق الأوسط وتأثير ذلك على التدخل الأمريكي في ذات المجال الجيوسياسي.
– الحرب الروسية الأوكرانية، وهي في الأصل حرب بين قطبين في العالم، قطب قديم سيطر على العالم منذ سقوط جدار برلين، هو أمريكا ومن معها من الأوروبيين وحلفاء آخرين؛ وحلف جديد هو حلف الصين وروسيا وإيران وغيرها من الدول الصاعدة.. من شأن هذا التقاطب أن يؤثر على القضية الفلسطينية باعتبارها منطقة صراع بين القطبين، ولذلك قد تكون الاقتحامات مدخلا لنشوب نزاع بين القطبين المتصارعين.
– سياق “التطبيع” أيضا لا يمكن إهماله، فقد تصبح اتفاقيات “التطبيع” من خبر الماضي إذا ما تغير ميزان القوى لصالح الدول المطبعة، وإذا ما تمت تسوية عدد من الملفات بتغير الشرط الدولي.. وقد تتخذ هذه الدول الاقتحام، إما ذريعة لإنهاء التطبيع بعد نضج شرط إنهائه، أو فرصة للضغط على الطرف “إسرائيلي” في سياق تفاوضي حساس، أو ربما فرصة للتذكير بالأصل (الأرض للفلسطينيين والعرب لا يقبلون بوجود الكيان الصهيوني).
– تراجع الولايات المتحدة الأمريكية، وتناقضاتها الداخلية التي تنعكس على التناقضات في الداخل “الإسرائيلي”؛ وما حدث النزاعات الداخلية التي تزامنت مع الاقتحام الأخير عنا ببعيد. فهناك من المتاعين والمختصين، وكذا شخصيات إسرائيلية معروفة ووازنة، من تنبأ بحدوث حرب أهلية داخل الكيان، كانعكاس للتناقض الأمريكي-الأمريكي. اقتحام الأقصى إذن يمكن إدخاله في هذا الإطار، إما باعتباره تصريفا لأزمة حاصلة، أو تنفيذا لتكتيك يخدم استراتيجية الأصولية الصهيونة المتطرفة..