التوجه الغربي لشراء الفكر في العالم العربي

بتحليلنا لمحتوى المشروعات البحثية المموَّلة غربياً والمنفَّذة من قِبَل مراكز بحثية وباحثين ومفكرين في العالم العربي وفي غيره يمكننا تحديد أبرز التوجهات الغربية لشراء الفكر في العالم العربي، وذلك بالصور التالية:

1 – قضايا الأمن القومي وجَمْع المعلومات الإستراتيجية
يلمس المحلل للمشروعات البحثية المموَّلة غربياً تركيز المشروعات على فئات خاصة في مؤسسات الدولة، يشكل الوصول إليها بصورة مباشرة صعوبة شديدة؛ فهناك جملة من المشروعات المرتبطة بالأمن القومي والقوات المسلحة، والشرطة، ورجال القضاء، فضلاً عن المشروعات الميدانية التي تعتمد على جَمْع أكبر قَدْر من المعلومات الإحصائية عن المجتمعات العربية من خلال استمارات استقصائية تتضمن تساؤلات تمثل إشكاليات يصعب على صناع القرار في أوروبا وأمريكا استيعاب تفسيراتها بدون الحصول على معلومات بصددها من أرض الواقع.
وسيندهش القارئ عندما يعلم أن هناك عدداً من المشروعات البحثية شديدة الحساسية والمتعلقة بآليات صناعة سياسات الأمن القومي في العالم العربي، والتسليح وشراء الأسلحة وآليات الرقابة على عمليات التسليح وعلى ميزانيات وعمل القوات المسلحة بالدول العربية، فضلاً عن جملة من الدراسات الموسَّعة عن رجال القضاء والنيابات والبرلمانيين ورجال الشرطة.
فعلى سبيل المثال دعم برنامج الأمم المتحدة UNDP في بيروت في الفترة من (12/5/2006م – 14/5/2006م) ورشة عمل بحثية حول إدارة قطاع الأمن والقوات المسلحة والرقابة البرلمانية عليه في المنطقة العربية، وذلك بالشراكة مع (مركز جنيف للرقابة الديمقراطية على القوات المسلحة DCAF)، وقد حضر ورشة العمل 50 مشاركاً؛ حيث قاموا باستعراض ومناقشة الممارسات الدولية والإقليمية السائدة في مجال إدارة قطاع الأمن والقوات المسلحة في كلٍّ من (الجزائر، والأردن، والكويت، ولبنان، والمغرب، وفلسطين).
وكانت المحاور الرئيسة لهذه الورشة التي اشتركت فيها مراكز بحثية مؤثرة في العالم العربي، وهي: (إدارة قطاع الأمن والرقابة البرلمانية: اللجان، الموازنة، وعمليات شراء المعدات الحربية، تحديات المنطقة العربية في قطاع الأمن، آليات رقابة وتوجيه القوات المسلحة في المنطقة العربية، آليات ضمان الشفافية في موازنة القوات المسلحة، آليات شراء الأسلحة في المنطقة العربية). (تقارير وأبحاث ورشة عمل إدارة قطاع الأمن والقوات المسلحة والرقابة البرلمانية عليه في المنطقة العربية: منشورات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأمم المتحدة، 2006م.http://www.pogar.org/arabic/activities/actpubs.asp?aid=78).

2 – محاولات الاقتراب من دوائر صنع القرار والسياسات
يلاحَظ على المشروعات المموَّلة غربياً محاولة اقتراب مؤسسات التمويل الدولية بقدر الإمكان من دوائر صنع القرار في الوزارات المتعددة بالدول العربية؛ حيث تدخل من باب الدعم البحثي لصانعي السياسات والقرارات، وفي ضوء ذلك يقدِّم الدعم لإنشاء وحدات بحثية بالوزارات، أو تمويل مشروعات بحثية تحقق الهدف ذاته، ومن ثَمَّ تحاول المؤسسات الدولية من خلال التمويل الغربي ومشروعاتها البحثية التأثير في مصدر المعلومة التي يبني عليها صانع القرار قراره، ومن ثَمَّ يتحقق للمموِّل على المدى البعيد التأثير في القرار ذاته لمؤسسات الدولة.

3 – قضايا المرأة والنسوية
بتحليلنا للمشروعات المتعلقة بقضايا المرأة والنسوية يتبين أن المرأة المسلمة تشكل عنصراً فاعلاً على أجندة مؤسسات التمويل الدولية، وفي ضوء ذلك يجري طرح أكبر قدر من المشروعات البحثية التي تحاول فهم المرأة المسلمة من كافة النواحي، حتى أشد التفاصيل خصوصية، إضافة إلى دعم كل المشروعات البحثية التي من شأنها تغريب المرأة المسلمة ووضعها في إطار عولمي ليبرالي، يجردها من أية ضوابط عقدية أو مجتمعية.

4 – الدين الإسلامي ومحاولات التلاعب بالثوابت
تحاول المؤسسات التمويلية الغربية النفاذ إلى المجتمعات الإسلامية من زاوية أن الإشكال ليس في الإسلام، ولكنه في فهم المسلمين للإسلام والنصوص الشرعية، ومن ثَمَّ تجري الدعوة لإعادة قراءة الإسلام وَفْقَ النظرة الغربية الليبرالية، وبناءً على ذلك يحدث التلاعب في الثوابت الشرعية، من خلال المشروعات البحثية المحقِّقة لهذا الهدف، إضافة إلى طرح المشروعات والمبادرات التي تبشر بالليبرالية والمدنية قبالة كل ما هو ديني في المجتمعات العربية.

5 – مؤسسات التمـويل وبرامج الـزيارات البحثـية التطبيعية
تقوم مؤسسات التمويل الدولية بتنظيم زيارات متبادلة بين الباحثين في الشرق والغرب، وهذه الزيارات تسمح للغرب بالاحتكاك المباشر بالباحثين العرب والتعرف على أنماط تفكيرهم، وقراءة رؤيتهم للأحداث والظواهر المتعددة التي يهتم بها الغرب، وقد لاحظنا على بعض مشروعات مؤسسات التمويل الدولية في العالم العربي حرصها على ترتيب زيارات متبادلة للباحثين العرب وممثلي المؤسسات والمنظمات والمراكز البحثية العربية إلى تل أبيب وطهران، وذلك في إطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وفي الوقت ذاته القفز فوق الضلالات الشيعية ومحاولة فرض الاندماج والتطبيع الكلي بين السُّنة والشيعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *