توقير أهل السنة لآل بيت رسول الله

من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت رسول الله، ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والأدلة على هذا الأصل كثيرة، قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ وَغَزَوْتَ مَعَهُ وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ، لَقَدْ لَقِيتَ يَا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا، حَدِّثْنَا يَا زَيْدُ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي وَقَدُمَ عَهْدِي وَنَسِيتُ بَعْضَ الَّذِي كُنْتُ أَعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا وَمَا لا فَلا تُكَلِّفُونِيهِ. ثُمَّ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ:
«أَمَّا بَعْدُ، أَلا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ(1) أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ، فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي». فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ: وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ؟ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه؟ِ قَالَ: نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ. قَالَ: وَمَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ آلُ عَلِيٍّ، وَآلُ عَقِيلٍ، وَآلُ جَعْفَرٍ، وَآلُ عَبَّاسٍ. قَالَ: كُلُّ هَؤُلاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ(2).
وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ارقبوا محمدًا في أهل بيته(3).
قال ابن حجر رحمه الله: المراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول: احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم(4).
والأحاديث في فضائل آل بيت النبي ومناقبهم كثيرة جدًّا، وهي مبسوطة في الصحيحين والسنن والمسند وغيرها من كتب الحديث(5). وقد أفرد الإمام أحمد كتابًا في فضائل أهل البيت.
وآل بيت النبي هم الذين تحرم عليهم الصدقة كما تقدم، وقد حرم الله الصدقة على آل محمد تعظيمًا لقدرهم؛ لأن الصدقة أوساخ الناس، قال: “إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس”(6).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وآل محمد هم الذين حرُمت عليهم الصدقة، هكذا قال الشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهما من العلماء(7).
وروى البخاري في صحيحه عن سعيد بن المسيب عن جبير بن مطعم بن عدي بن الحارث بن نوفل بن عبد مناف قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان -أي: ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف- إلى رسول الله فقلنا: «يا رسول الله! أعطيت بني المطلب –أي: ابن عبد مناف- وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة! فقال: إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد». وفي رواية: «أعطيت بني المطلب من خمس خيبر». وفي أخرى: ولم يقسم النبي لبني عبد شمس ولا لبني نوفل شيئًا(8).
وزوجات النبي داخلات في آل البيت بنص القرآن، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب:33].
قال ابن كثير رحمه الله: وهذا نص في دخول أزواج النبي في أهل البيت ها هنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “ولا ننكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة، من أشرف بيت وُجد على وجه الأرض فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعليّ وأهل بيته وذريته رضوان الله عليهم أجمعين”(9).
وقال ابن تيمية رحمه الله: “ولا ريب أن لآل محمد حقًّا على الأمة لا يشركُهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش، كما أن قريشًا يستحقون من المحبة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر أجناس بني آدم، وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، وفضل قريش على سائر العرب، وفضل بني هاشم على سائر قريش، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره(10).
ومن دلائل توقير آل البيت؛ أن النبي علّم أمته أن يقولوا في التشهد: “اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد”. فهل بعد الدعاء لهم في الصلوات الخمس توقير أفضل من هذا التوقير؟!
وقد ضرب السلف المثل الأعلى في توقير آل بيت النبي، فعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: والذي نفسي بيده؛ لقرابة رسول الله أحب إليَّ أن أصل من قرابتي.
والمؤمنون يتولون أهل البيت ويحبونهم، لا كما يزعم الروافض أنهم المخصوصون بحب أهل البيت وحدهم، وأن غيرهم ظلموهم، فالحقيقة أن الروافض هم الذين ظلموا أهل البيت ظلمًا لا نظير له، فهم الذين خذلوهم وغروهم، وتسببوا في ردّ كثير من روايات أهل البيت؛ بسبب ما اشتهر عن أولئك الروافض من الكذب على آل البيت.
ثم إن الروافض يحصرون محبتهم في نفر قليل من أهل البيت، أما أهل السُّنَّة المستقيمون عليها يحبون أهل البيت كلهم ويتولونهم، ثم إن الذين يبغضهم الروافض من أهل البيت أكثر بكثير ممن يحبونهم.
اللهم إنا نشهدك على حب آل بيت النبي وأصحابه أجمعين.
______________________________
(1) قال ابن الأثير رحمه الله: سماهما ثقلين؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس: ثقل، فسماهما ثقلين؛ إعظامًا لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما. انتهى. وكلمة الثقلين تطلق أيضًا على الجن والإنس.
(2) رواه مسلم 2408.
(3) رواه البخاري 3713.
(4) فتح الباري، شرح الحديث المتقدم.
(5) انظر: الصحيح المسند من فضائل آل بيت النبوة؛ لأم شعيب الوادعية.
(6) رواه مسلم 1072 عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث.
(7) مجموع الفتاوى 3/407.
(8) قال البخاري: وقال ابن إسحاق: عبد شمس وهاشم. انتهى.
(9) تفسير قوله تعالى: “قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى” (الشورى: 23).
(10) منهاج السنة النبوية (4/599).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *