حدود التماس بين المغرب وإسبانيا في العصر الوسيط (م.ز)

 

1-مقدمات الفتح الإسلامي لإسبانيا

فتح المسلمون الأندلس (إسبانيا)، والقوط في أضعف أحوال حكمهم بها. فقد “كان القوط قد اعتنقوا المسيحية التي سبقتهم إلى إسبانيا منذ العهد الروماني، إلا أنهم كانوا على المذهب “الأريوسي” الذي يقول بطبيعة واحدة للسيد المسيح، في حين أن رعاياهم كانوا على المذهب الكاثوليكي الذي يقول بالطبيعتين، وبين المذهبين من خلاف ما بين دين ودين. ونتيجة لذلك وقع عداء بين القوط ورعاياهم، ثم تحول القوط إلى المذهب الكاثوليكي في عهد الملك القوطي “ريكاردو” (586-601 م). فكان ذلك سببا في المصالحة بين القوط والرعية، وتحسنت الأحوال، وتمكن القوط من السير بدفة الأمور فترة من الزمن”. (طه عبد المقصود عبد الحميد عُبَية، موجز تاريخ الأندلس: من الفتح الإسلامي إلى سقوط غرناطة، ص 8)

ولأن الأزمة لم تكن تكمن في الخلاف المذهبي والعقدي بالأساس، فقد ساءت أحوال حكم القوط رغم ما أبدوه من اقتراب من عقائد رعاياهم، “لا سيما في الثلاثين سنة الأخيرة (قبل الفتح الإسلامي) إلى الحد الذي جعل المستشرق الفرنسي (ليفي بروفنسال) يطلق عليها وصف “السنوات العجاف” بالنسبة لما يُعرف من تاريخ إسبانيا القوطية، حيث كانت هذه السنوات مشحونة بالفوضى والاضطرابات إلى كثرة المنازعات والصراع بين الطبقات والحاكمين، وفيما بين الحاكمين القوط أنفسهم، إضافة إلى تفكك المجتمع الإسباني وقيامه على الطبقات المتحاجزة فيما بينها”. (نفسه، ص 8)

وعموما، “كانت إسبانيا قبل الفتح الإسلامي تشكو الفشل السياسي والتأخر الاقتصادي والتفكك الاجتماعي، والظلم الطبقي”. (نفسه، ص 9)

2-أحداث الفتح الإسلامي لإسبانيا

“كان فتح الأندلس في سنة 92 من الهجرة (711 م)، أي في عصر الخلافة الأموية، تحديدا في خلافة الوليد بن عبد الملك (ض)، الخليفة الأموي الذي حكم من عام 705 م إلى عام 715 م؛ وهذا يعني أن فتح الأندلس كان في منتصف خلافة الوليد الأموي”. (راغب السرجاني، قصة الأندلس: من الفتح إلى السقوط، مؤسسة اقرأ، الطبعة الأولى، 2011، ص 23)

وقد وجد المسلمون عدة عقبات في فتح الأندلس، أبرزها:

– “قلة السفن”، ما حمل موسى بن نصير على “بناء الموانئ وإنشاء السفن”.

– “جزر البليار غير المؤمنة”، ف”فتحها وضمها إلى أملاك المسلمين”.

– “ميناء سبتة الذي كان في يد يُليان”، فسلمه يليان للمسلمين، كما “أمدهم بالمعلومات الكافية عن أرض الأندلس”، انتقاما من لُذريق حاكم الأندلس الذي اغتصب ابنتهوقتل صديقه غيطشة (دخل أبناء غيطشة في صراع مع لذريق، وطلبوا دعم يليان، ما يدل على اضطراب الأوضاع السياسية في الأندلس قبيْل الفتح الإسلامي)، وتحسبا لأي واقع جديد قد يفرضه التوسع الإسلامي في المنطقة فيشمله كما يشمل غيره.

– “قلة عدد المسلمين” و”كثرة عدد النصارى”، ف”علم موسى بن نصير الأمازيغ الإسلام”، حتى تشربوه وأصبحوا على استعداد لنشره والتضحية في سبيله، فأصبحوا بذلك جيشا قادرا على فتح الأندلس والتفوق على جيشها.

-“طبيعة جغرافية الأندلس”، وهو ما تغلب عليه المسلمون ببناء الموانئ وإنشاء السفن وتوجيهات يليان (كان يعرف بلاد الأندلس، كما تقدّم). (نفسه، من ص 33 إلى ص 42)

وكثير من التغلب على العقبات أعلاه، كان بمجهود من طارق بن زياد بعد أن ولاه موسى بن نصير قائدا لجيش المسلمين، ل”كفاءته وقدرته على فهم وقيادة قومه” (نفسه، ص 37).

أذن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بفتح الأندلس، فانطلق السرية الأولى (500 رجل، 4 سفن) صوبها بقيادة طريف بن مالك (من الأمازيغ) في 710 م. فغزى فيها وغنم منها واكتشف جغرافيتها، ليكون دليلا عليها. وبعد عودته، “تحرك الجيش الإسلامي وعبر المضيق (مضيق جبل طارق)”، نحو “الجزيرة الخضراء، وهناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس (…) وكعادة الفاتحين المسلمين، فقد عرض طارق بن زياد عليهم الدخول في الإسلام، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ويتركهم وأملاكهم، أو يدفعوا الجزية ويترك لهم –أيضا-ما في أيديهم”. فأبوا، “فكانت الحرب سجالا بين الفريقين، حتى انتصر عليهم طارق بن زياد”. (نفسه، ص 43/ ص 48-49)

واستمرت الفتوحات الإسلامية، حتى سيطر المسلمون على كامل بلاد الأندلس. فأدى أهل الكتاب الجزية، وشرع المسلمون في نشر الإسلام بها. فبنوا وشيدوا، وراكموا خبرة على خبرات الذين سبقوهم (الرومان، الوندال، القوط… الخ)، حتى صارت الأندلس حضارة عظيمة، خرّجت العلماء والفقهاء والفنانين والأدباء والأطباء… إلخ؛ وما زال معمارها شاهدا عليها إلى اليوم.

3-حكم المسلمين في إسبانيا

ومرّ حكم المسلمين، بالأندلس، بثمان مراحل:

– الفتح الإسلامي (711-714 م).

– عهد الولاة (714-755 م).

– عهد الإمارة الأموية (755-929 م).

– عهد الخلافة (929-1031 م).

– عهد الطوائف (1031-1091 م).

– عهد المرابطين (1091-1144 م).

– عهد الموحدين (1144-1223 م).

– مملكة غرناطة (1223-1492 م).

(طه عبد المقصود عبد الحميد عُبَية ، نفس المرجع السابق، ص 10-11)

حكم المسلمون الأندلس، وعاشوا على أرض الإسبان، بين امتداد وانحسار حوالي ثمانية قرون. فأعطوا وأخذوا، وسادوا وتوسعوا، حتى هانوا وانحسروا في غرناطة. فكان سقوطها (1492 م)، وكانت فاجعة المسلمين.

4-سقوط غرناطة

“بدأ سقوط المدن والحواضر الأندلسية منذ القرن 11 م، بسقوط طليطلة سنة 1085 (…) فمثل سقوطها العد التنازلي للإمارات والمدن الأندلسية حيث توالي سقوط المدن الواحدة تلو الأخرى. وسادت روح الاستسلام والانهزام عند الكثير”. إلا أن غرناطة بقيت صامدة إلى غاية 1492 م، فكان سقوطها بمثابة سقوط للأندلس، لأنها آخر قلاعها. (جمال يحياوي، سقوط غرناطة ومسألة الأندلسيين: 1492-1610 م، دار هومه، 2004، ص 25-26)

و”لم يكن سقوط غرناطة في يد إسبانيا مجرد نهاية حكم وقيام آخر، ولا مجرد تغيير في النظام السياسي، بل مثل سحقا لدولة الإسلام في الأندلس. فبعد أن فقد المسلمون سيادتهم وأملاكهم، وشربوا كأس الذل السياسي حتى الثمالة، وطعنوا في كرامتهم وفقدوا تسميتهم التي عرفوا بها منذ وصول طارق بن زياد إلى الأندلس، ولم تفارقهم خلال 8 قرون من التواجد الإسلامي في إسبانيا، وأصبحوا يسمون بالموريسكيين (أطلق هذا الاسم على كل عربي أو مسلم في إسبانيا، عام 1499 م) “. (نفسه، ص 41-44)

وكنتيجة لهذه الهزيمة، فعّلت إسبانيا محاكم التفتيش في حق الموريسكيين، فعذبتهم ليعترفوا بإسلامهم، وحرقت من اعترف منهم، وهجّرتهم وطردتهم شرّ طردة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *