التيار المدخلي النشأة والتوظيف

من خلال الدعم المقدم لهم إقليميا ودوليا؛ استطاع المنتمون للتيار المدخلي جذب كثير من الشباب وشغلهم بالقيل والقال، والتهام لحوم العلماء والدعاة، كما تمكنوا أيضا من تحقيق الأهداف المسطرة لهم استراتيجيا.

 

مداخلة المغرب لا يعيرون اهتماما لعلماء بلدهم، ولا للمؤسسات الدينية الرسمية، وارتباطهم الوثيق موصول ببعض الأفراد في الحجاز لا يحظون بالقبول في موطن إقامتهم ونشأتهم

 وفقا لبعض الباحثين فإن الظهور العلني لتيار المداخلة كان في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991 والتي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام حسين للكويت.

وهو تقريبا الطرح نفسه الذي قدمه الدكتور عجيل النشمي الذي أكد أن الجامية أو المدخلية فرقة ظهرت حوالي سنة 1411-1990 في المدينة المنورة علي يد الشيخ محمد أمان الجامي الهرري الحبشي، والشيخ ربيع بن هادي المدخلي، فالأول مختص في العقيدة، والثاني مختص في الحديث، وقد أثنى عليهما العلماء بادئ الأمر منهم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ صالح الفوزان قبل أن يروجوا لفكرهم القائم على عدة مبادئ خاطئة ومنها بخاصة مبدأ التجريح للعلماء الكبار، وهذا الذي أورث جفوة بينهم وبين أقرانهم من أهل العلم.

وكان الظهور العلني لهم على مسرح الأحداث، إبان حرب الخليج، حيث برزوا -وفقا لبعض الباحثين- كفكر مضاد للمشايخ الذين استنكروا دخول القوات الأجنبية، وأيضا كانوا في مقابل هيئة كبار العلماء، والذين رأوا في دخول القوات الأجنبية مصلحة، إلا أنهم لم يجرموا من حرَّم دخولها، أو أنكر ذلك، فجاء المداخلة أو الجامية واعتزلوا كلا الطرفين، وأنشأوا فكرا خليطا، يقوم على القول بمشروعيّة دخول القوات الأجنبية، وفي المقابل يقف موقف المعادي لمن يحرّم دخولها، أو أنكر على الدولة ذلك.

وقد أشارت ورقات بحثية أن هذا الفكر المدخلي دخيل على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولم يعرف تاريخ المسلمين له نظيرا، حيث أن المنتمين لهذا المذهب المحدث يقومون بالبحث في أشرطة العلماء والدعاة، ويتصيدون المتشابه من كلامهم وما يحتمل الوجه والوجهين، ثم يجمعون ذلك في نسق واحد، ويشهرون بالشخصية المستهدفة ويفضحونها، محاولين بذلك إسقاطها وهدرها.

ومن خلال الدعم المقدم لهم إقليميا ودوليا؛ فقد استطاعوا في بداية نشوء مذهبهم جذب كثير من الشباب وشغلهم بالقيل والقال، والتهام لحوم العلماء والدعاة، كما تمكنوا أيضا من تحقيق الأهداف المسطرة لهم استراتيجيا.

وجدير بنا ها هنا التذكير أن وثائق مراكز الدراسات الغربية شددت على تعاون أجهزة الاستخبارات مع حاملي الفكر المدخلي، ودعمهم وفتح الباب أمامهم، لأنهم يقومون بنفس الدور الذي كانت تقوم به بعض الفرق الصوفية الموالية للاحتلال، ويقفون حجر عثرة أمام الحركات الإسلامية برمتها، ويستصنمون منهجهم إلى درجة التقديس، ويقلدون بعض رموزهم تقليدا أعمى؛ ولا مكانة لديهم لباقي العلماء لأنهم بالنسبة لهم ضالون مبتدعون مارقون..

شددت توصيات مراكز الدراسات الغربية على وجوب تعاون أجهزة الاستخبارات مع حاملي الفكر المدخلي، ودعمهم وفتح الباب أمامهم، لأنهم يقومون بنفس الدور الذي كانت تقوم به بعض الفرق الصوفية الموالية للاحتلال

وبعد أن عاثت هذه الفرقة في الأمة فسادا؛ وتمكنت من التفريق بين صفوف أبنائها، ولم تترك عالما ولا شيخا ولا داعية له أثر ودعوة، إلا وصنفوته وشهرت به؛ لم  تسلم هي الأخرى من تجرع السم الذي نفثه في جسد الأمة؛ فهي تعرف انقسامات كبيرة وخلافات حادة بين منظريها ورؤوسها، وبين حين وآخر ينشق فصيل ويعلن الحرب على بقية الطائفة، وويقوم بعد ذلك تباعا بتبديعها ويضليلها وفق الأصول والقواعد المنهجية التي نشأوا وتربوا عليها.

وفي مقاله: (خطر الفكر المدخلي على وحدة المغرب العقدية)؛ كشف الباحث عبد الله مخلص أن من جالس أصحاب هذا الفكر سيدرك حتما درجة الغلو التي بلغوها وخطرهم على المجتمع برمته، وأن السلطات المغربية تلعب بالنار حين تسمح لأصحاب هذا الفكر ببناء أعشاش لهم بين أبناء المجتمع المغربي، وأنهم وإن كانوا يعلنون الطاعة العمياء لولاة الأمور ويوالونهم موالاة تامة، فإنهم على الطرف الآخر يشكلون خطرا كبيرا على مكونات المجتمع الأخرى ووحدته العقدية والمذهبية.

إضافة إلى ذلك فإن الغلو في مولاتهم للحكام بالطريقة التي يقدمونها لا يجب الاطمئنان إليها بتاتا، فالغلو في أي شيء عاقبته وخيمة، ويكفي لبيان ذلك أن الخوارج الذين قاتلوا عليا رضي الله عنه يوم النهروان، ابتدؤوا ببدع صغيرة منحصرة في الغلو في جانب (الذكر) لينتهوا بالغلو في (سفك الدماء)، أما هؤلاء فقد ابتدؤوا بالغلو في أعراض العلماء والدعاة والعاملين لخدمة الإسلام؛ والله وحده يعلم بما سينتهي هذا الفكر الذي يمـَكَّن له في زمن تضييق كبير على السلفيين خاصة والإسلاميين عامة.

لا تخطئ عين المتابع توظيف المداخلة المنحرف للنصوص الشرعية، وإخراجهم للقواعد العلمية عن إطارها، ولآثار العلماء عن سياقها، واستعمالهم المفرط للغة التعالي والكبر ضد من يعتبرونهم مخالفين خارجين عن المنهج، وعدم ورعهم في إطلاق عبارات السب والشتم، والتحذير والتحريض، والرمي بالبدعة والضلال والمروق؛ والاحتقار والرغبة الكبيرة في سحق الآخرين.

وهذه سمة عامة للمداخلة أينما وجدوا سواء في المغرب أو أوربا أو الجزائر أو مصر أو العراق أو الشام أو السعودية، مع الإشارة إلى أن هذا الفكر لا يحظى بتاتا بالقبول في الحجاز -موطن نشأته-، وقد حذر منه جل علماء المملكة العربية السعودية، بما فيهم أعضاء هيئة كبار العلماء.

مداخلة المغرب

.كغيرهم من المداخلة في باقي العالم الإسلامي والغربي أيضا؛ فهم لا يعيرون اهتماما لعلماء بلدهم، ولا للمؤسسات الدينية الرسمية، وارتباطهم الوثيق موصول ببعض الأفراد في الحجاز لا يحظون بالقبول بتاتا في بلدهم كما أن الدورات التي يقيمونها ويستقطبون لها رؤوسهم في المغرب أو خارجه؛ ويرفعون فيها شعار العلم وكتب أهل العلم، ويسمونها بأسماء علماء أو حكام مغاربة كدورة السلطان محمد بن عبد الله العلوي، فوفق الباحث عبد الله مخلص، فلا يجب أن يدفعنا ذلك إلى التردد في التحذير من هذا الفكر الذي انتشر كالنار في الهشيم بسبب إحسان بعض العلماء الظن بأتباع هذه الجماعة في بداياتها، ليدركوا بعد ذلك أن الخرق اتسع على الراتق، وأن المداخلة أصبحوا خنجرا مسموما في ظهر الدعاة إلى الله تعالى.

فأصل العلم خشية الله تعالى؛ كما قال إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وإن قادت معلومات علمية متناثرة من هنا وهناك وهنالك إلى صناعة قوالب من هذا الشكل فلا مرحبا بها، فخير للإنسان أن يقيم دينه بالمحافظة على الفرائض والسنن فقط، من التنمر بالعلم، ونشر ثقافة الحقد والكراهية، والحكم على المسلمين دون بينة أو برهان.اهـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *