هكذا سعى الفاتيكان الذي لا يؤمن بحرية المعتقد إلى إقرار الحرية الدينية بالمغرب

عندما استعرت الحملة الإعلامية المغرضة في الصحف الأجنبية ضد المغرب لفائدة اليهود المغاربة بإيعاز من المنظمات اليهودية العالمية تأثر الرأي العام الأوربي بذلك ومنه الكنيسة الكاثوليكية بروما، وعلى رأسها “البابا ليون الثالث عشر” الذي انساق مع الدعايات والتحريضات التي كانترائجة آنذاك، فوجهت السلطات البابوية كتابا إلى الإمبراطورية النمسوية-بوصفها أكبر دولة كاثوليكية إذّاك بأروبا- طالبة منها أن تسعى لكي يصدر المؤتمر المزمع عقده بمدريد للنظر في مسألة الحماية القنصلية بالمغرب “اقتراحا يهدف إلى ترسيخ حرية الاعتقاد لجميع سكان المغرب شبيهة بالتي قَبِلها مؤتمر برلين لصالح رعايا الباب العالي”.

ثم بعث وزير الخارجية النمساوي برسالة دورية إلى ممثلي حكومته في الدول الأوربية المشاركة في مؤتمر مدريد يخبرهم فيها بمحتوى الرسالة التي توصل بها الكاردينال نينا وبموقف بلده من ذلك، ويأمرهم باستطلاع وجهات نظر الحكومات الأوربية حول عرض ذلك على أنظار المؤتمر.

أخذنا كنموذج في هذا الملف:

– مذكرة وزير الخارجية النمسوي التي بعث بها مع مذكرة دولة الفاتيكان إلى سفير النمسا بروما، في 17 ماي سنة 1880م.

– ورسالة من وزير الخارجية الفرنسي “دو فْرايسيني” إلى “الأميرال جوريس” سفير فرنسا بإسبانياومندوبها في مؤتمر مدريد يبلغه بها تعليماته المتعلقة بالموقف الواجب اتخاذه من مسألة حرية التدين بالمغرب.

– وقرار الجمعية العمومية الفرنسية حول المسألة الدينية في المغرب.

– وتقرير اللجنة الملكية المكلفة بمحاربة التنصير.

– إحـصاء رسـمي للمراكز التبشيرية في المغرب (خلال مدة الاستخراب -الاستعمار- الفرنسي والإسباني).

 

1880م الفاتيكان يطالب بفرض توصية حول الحرية الدينية في المغرب

جذور عمل الفاتيكان في المغرب وحركته التنصيرية بدأتسنة 1880م، حيث تشير الوثيقة التي نعرضها في هذا الملف إلى مذكرة صادرة من ديوان الفاتيكان إلى السفير فوق العادة للنمسا وهنگارياالمعتمد لدى الحضرة البابوية والذي بدوره أرسلها إلى وزير خارجيته، وهي توصية حول الحرية الدينية في المغرب شبيهة بالتوصية التي تبنتها تلك الدول خلال مؤتمر برلين 1878م، الذي جردت فيه تركيا من معظم أراضيها بالبلقان وجزر البحر الأبيض، وفرضت عليها شروط قاسية منها حماية الأرض والأقليات الدينية لفائدة رعايا الباب العالي.

 

وهذا نص المذكرة:

(مذكرة من ديوان الفاتيكان إلى السفير فوق العادة للنمسا وهنگاريا)

(المعتمد لدى الحضرة البابوية مؤرخة في 05 مايو 1880 رقم 40.231)

 

إن قداسة البابا الذي يفرض عليه واجبه الديني الاهتمام بكل أمر قد يفيد في تعزيز المصالح الدينية في جميع أطراف الأرض.

صح عزمه على أن يطلب من الدوائر العليا للدول الكاثوليكية أن تتبنى -خلال المؤتمر الديبلوماسي الذي يكاد ينعقد بمدريد للنظر في شؤون المغرب- توصية حول الحرية الدينية للسكان هناك شبيهة بالتوصية التي تبنتها تلك الدول خلال مؤتمر برلين (*)لفائدة رعايا الباب العالي.

ومن بين تلك الدول يعتمد قداسته بالدرجة الأولى على تأييد الفعال للإمبراطورية النمساوية الهنگارية، وقد عهد إلى الكاردينال كاتب الدولة الموقع أسفله أن يجدد لحكومة صاحب الجلالة الرسولية الإمبراطور الملك تلك المناشدة التي سبق أن وجهت إليها قبيل افتتاح مؤتمر برلين.

وعليه فإن الكاتب يرجو من سعادتكم -تحقيقا للمهمة الموكولةإليه-أن تتكرموا بنقل المطلب البابوي إلى حكومتكم، وتعبروا لها عن الثقة الوطيدة لقداسته في أن الحكومة ستصدر إلى ممثليها في المؤتمر تعليمات شبيهة بتلك التي سبق توجيهها إلى المفوضين في المؤتمر المذكور.

وبهذه الطريقة ستقدم حكومة صاحب الجلالة الرسولية الإمبراطور الملك -التي لقداسته براهين كثيرة على نبل مشاعرها الدينية- خدمة رائعة أخرى للدين وللكرسي المقدس.

وإن الكاتب واثق من أن سعادتكم مستعدون لتأييد هذا الطلب بكل حماس يقدم لكم جزيل شكره مقدما، ويغتنم هذه الفرصة ليعبر لكم من جديد عن مشاعر تقديره الفائق.

ل. كاردينال نينا م/ب.

 

——————

فرنسا تضغط في مؤتمر مدريد لإخضاع المغرب
للإقرار بما طالب به الفاتيكان حول حرية المعتقد

لما تلقت الحكومة الفرنسية رسالة حكومة الإمبراطورية النمساوية-الهنگارية المتعلقة بموضوع حرية التدين بالمغرب، بعث وزير الخارجية الفرنسي “دو فْرايسيني” رسالة إلى “الأميرال جوريس” سفير فرنسا في إسبانيا ومندوبها في المؤتمر يخبره بذلك ويبين له الموقف الذي يجب أن يقفه إذا عرضت قضية حرية التدين بالمغرب على أنظار المؤتمرين.

رسالة دي فْرايْسيني مؤرخة في 19 ماي سنة 1880م (الأربعاء 09 جمادى الثانية 1297هـ)؛ منشورة في المجموع الوثائقي الذي أصدرته الحكومة الفرنسية سنة 1880م حول مسألة الحماية القنصلية بالمغرب تحت رقم 27-ص 52، ومنها نسخة مرقونة محفوظة بمديرية الوثائق الملكية (سجل 22.355 محفظة فرنسا)، وهذا نصها:

من السيد دي فريْسيني وزير الشؤون الخارجية إلى الأميرال جوريس سفير الجمهورية الفرنسية بمدريد

باريس 19 ماي 1880.

السيد الأميرال

كان لي الشرف أن بعثت لكم بتاريخ 11 ماي (أي سنة 1880م) تعليمات عامة حول الموقف الذي ستلتزمون بالدفاع عنه في المؤتمر المجتمع بمدريد لمباشرة البحث ثانية في مسألة الحمايات الديبلوماسية والقنصلية بالمغرب.

ويعد الإسرائيليون معنيين مباشرة بالقضايا المطروحة أمام المؤتمر، لأن الجزء الأكبر من المحميين الأجانب بالمغرب خصوصا السماسرة منهم، ينتمون إلى الدين اليهودي، والحقد العنصري الذي يتعرضون له هو واحد من الأسباب الرئيسية التي تبرر ضرورة الحمايات الديبلوماسية مَن يضع مِن إخوانهم أنفسهم في خدمة تجارنا.

فمن المحتمل إذن أن يجر النقاش حول الوضعية القانونية للوسطاء التجاريين بالمغرب إلى نقاش عام حول التسامح في إقامة الشعائر الدينية لجميع الأديان، وفِي هذا الصدد بلغني أن حكومة إسبانيا وحكومة النمسا-هنگاريا ستدعوان إلى أن يُصدرالمؤتمر بيانا صريحا لفائدة الحرية العقائدية بصفة تجعل المغرب يعترف، لا سيما لفائدة الديانة النصرانية ومؤسساتها، بالمبادئ التي تعهدت تركيا باحترامها أمام مؤتمر برلين.

وحتى إشعار آخر، ليس لكم -سيدي الأميرال- أن تبادروا بتقديم أي اقتراح في هذا الاتجاه، لكن إذا ناقش المؤتمر ذلك خلال سير أعماله الطبيعية، فلا يسعني آنذاك إلا أن أدعوكم إلى الانضمام إلى أي بيان يهدف إلى إثبات المبادئ التي جعلنا الدفاع عنها واجبا وشرفا لنا في كل زمان ومكان. فقاعدة المساواة في الحقوق الدينية، وحرية ممارسة الشعائر العقائدية هما في نظرنا من الأسس الرئيسية للتنظيم الاجتماعي للدول، وكلما سنحت الفرصة سواء في أوربا أو غيرها كنّا نوصي بتبني ذلك كشرط ضروري لأمن الشعوب وتطور الحضارة، وأنتم تعلمون أن شروط معاهدة برلين التي تضمن هذه القاعدة قد تمت صياغتها بإحياء مباشر من طرف وزرائنا المفوضين.

وعلى كل حال، عليكم أن تبقوا أوفياء لهذه السابقة إذا وجد مؤتمر مدريد نفسه مدعوا ضمن الإطار الخاص لمداولاته، إلى إبداء رأيه في مسألة التسامح والمساواة الدينيين بالمغرب.

وتفضلوا…إلخ.

ش.ديفريْسيني.

 

الفاتيكان والبرلمان الفرنسي شراكة لتنصير المغاربة

من أهم ما جاء في معاهدة الحماية الفرنسية ما تضمنه الفصل الأول منها، والذي ينص على التالي:

الفصل الأول:

“اتفقت حكومة الجمهورية الفرنسية مع جلالة السلطان على إنشاء نظام جديد في المغرب يسمح بالإصلاحات الإدارية والقضائية والدراسية والاقتصادية والمالية والعسكرية التي ترى الحكومة الفرنسية فائدة في إدخالها.

وهذا النظام (الجديد) سيحفظ الوضعية الدينية، وحرمة السلطان ومكانته المعتادة، وتطبيق الدين الإسلامي، ويصون المؤسسات الإسلامية خصوصا مؤسسات الأحباس. كما أنه سيتضمن تنظيم “مخزن شريف” على أساس إصلاحي”.

فهل كانت فرنسا بسياسيها وعسكرييها فعلا صادقة في نواياها التي تضمنها هذا الفصل الهام؟؟

فبعد فرض الحماية التي وقعها المولى عبد الحفيظ في 30 مارس 1912م، احتاج مؤيدو الاحتلال إلى مصادقة البرلمان الفرنسي فناقشها مجلس النواب أولا، ثم أحيلت على مجلس الشيوخ فأخضعها للدرس والمداولة، حيث كلف المجلس لجنة خاصة بدراستها، وكان المقرر هو المسيو بودان « Baudin» وبعد موافقة اللجنة على تقريره نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 10 يوليوز 1912م؛ ومن أهم ما جاء في هذا التقرير قسم خاص بموضوع التنصير والمنصرين تحت عنوان: “المسألة الدينية المسيحية في المغرب وجنسية المبشرين الكاثوليكيين”، وفِي جلسة مجلس الشيوخ المنعقدة يوم 11 يوليوز 1912م نوقشت بنود معاهدة الحماية لمدة ساعتين وكان على رأس خطباء المجلس المسيو “جينوفريي” «Jénouvrier» الذي بحث مسألة تجديد علاقات الجمهورية مع الفاتيكان والذي تمحور حولموضوع: “تنظيم الديانة الكاثوليكية بمنطقة الحماية الفرنسية، وتجديد علاقات الجمهورية مع الفاتيكان”.

وبهذا يكون كل ما جاء بالفصل الأول من المعاهدة مجرد تنويم للشعب المغربي ومراوغة للعلماء واحتيال على السلطان والمخزن، وذلك حتى تتمكن القوات الغازية من السيطرة على الوضع الأمني في المغرب وتحكم قبضتها عليه، وهكذا كان.

الأمر الذي يجعل الباحث المنصف لا يميز بين الجنرال ليوطي وبين بابا الفاتيكان، في احتلال المغرب فالهدف واحد، والمخطط مشترك.

وتنفيذا لهذه الشراكة، استهل الاحتلال الفرنسي أعماله التنصيرية ببناء كاتدرائية في عام 1919م، تقع اليوم في ساحة الجولان في مدينة الرباط، وعند  انتهاء الأشغال ترأس حفل الافتتاح المقيم العام “هوبير ليوطي” في عام 1921م، وسميت كاتدرائية القديس بطرس (Cathédrale Saint-Pierre de Rabat) وهي كاتدرائيَّة رومانية كاثوليكية، وتمثل اليوم مقر رئيس أساقفة الأبراشية الرومانية الكاثوليكية في الرباط.

الشراكة بين الجيوش والرهبان في الغزو سُنّة ومنهجية قامت عليها الحملات الإمبريالية، فكما وقع في المغرب وقع في سورية ولبنان، يقول البحاثة المفكر حسن عبد الرحمن حنكة الميداني في كتابه المفيد جدا والذي عنونه بـ: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها: التبشير-الاستشراق- الاستعمار”، في الصفحة 112: “ويكشف سياسة التآزر بين المبشرين والمستعمرين ما جاء في الكتاب المئوي للمبشرين اليسوعيين، بعد أن أمست سورية ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وهو قولهم: أجل، كنّا نعتمد على مساعدة فرنسا الظافرة، والآن ها هي فرنسا هنا”.

والسؤال اليوم هو هل انتهت العلاقة بين الجيوش والرهبان أم لا؟؟

 

إحـصاء رسـمي للمراكز التبشيرية في المغرب

(خلال مدة الاستعمار الفرنسي والإسباني)

 

مع قدوم الاحتلال إلى المغرب، تكفلت الحكومة الفرنسية بحماية وتشجيع الدعاية التنصيرية، وخصتها بنفقات كثيرة، ومساعدات وفيرة، من الميزانية العامة للمغرب ومن ميزانية الأوقاف الإسلامية، ومن أوراق اليانصيب التي تفرضها على جميع الموظفين المسلمين، لحساب التنصير والمنصرين، ومنذ 1923 قويت حركة التنصير بين المسلمين، وأسست فرنسا مركزا عاما للتنصير في عاصمة المغرب وربطته بفروع منتشرة في المدن والضواحي، والقبائل الخاضعة والمستقلة، وجعلت لهذا المركز مجموعة من السيارات تنتقل ما بين فرع وآخر، وتنقل المسلمين الذين تقوم الكنيسة بتنصيرهم من الفروع إلى المركز العام، وفي سنة 1929 انعقد مؤتمر للمنصرين بمدينة لورد Lourdes وكان رئيسه الأسقف فييلViell الذي هو رئيس المركز التنصيري العام في مراكش، فخطب خطبة خطيرة، شرح فيها برنامج تنصير المراكشيين..

في نفس الوقت الذي حرم فيه الوعاظ والفقهاء المسلمون من الانتقال إلى تلك الأحياء، كانت مدارس دينية تنصيرية تفتح وكنائس تؤسس، وكانت كتب العقيدة النصرانية تطبع بلهجة المغرب العامية، وجميع اللهجات البربرية، وتوزع في جميع نواحي المغرب، بل إنها أصبحت توزع في الإدارات الرسمية على الموظفين الكبار من المسلمين (كما كان يوزع المسيو مارتي مدير العدلية الإسلامية كتاب “حياة المسيح” في مكتبه على موظفي إدارته) وناصر هذه الحملة جميع الموظفين العسكريين والمدنيين، وجميع التجار والمعمرين، حتى أن أصبح بمدينة الرباط وحدها ما يزيد عن خمس كنائس عظمى، وحتى أصبح عدد المدارس التنصيرية لا يحصى. (بيان مختصر من الأمة المراكشية للشيخ محمد المكي الناصري بتصرف).

نعرض هنا على قراء العالم الإسلامي إحصاء رسميا عن بعض المجهودات التبيشرية، معتمدين في هذا الإحصاء على خريطة أصدرتها (الوكالة التبشيرية في الرباط) ووزعتها مطبوعة مجلة (المغرب الكاثوليكي) في العدد الأول الصادر في مفتتح سنتها الحادية عشرة (شهر يونيه سنة 1931م) وقد نشرناها كما هي في هذا الكتاب:

1– أهم المراكز ذات الكنائس المشتملة على القسس ومساعديهم تبلغ عشرين مركزا: مركزان لكل مدينة من هذه المدن الكبرى: فاس، مكناس، رباط الفتح، الدار البيضاء، مراكش. ومركز واحد لكل من هذه المدن: سلا، الجديدة، آسفي، أكادير، وزان، بودنيب، تازة، كرسيف، ميدلت، تادلا.

2– والمراكز الرئيسية للأعمال التبشيرية الأهلية تبلغ عشرة مراكز: تقع في الرباط، القنيطرة، فاس، مكناس، وجدة، الجديدة، مراكش، ميدلت، تارودانت، القباب.

3– وهنالك مراكز أخرى مهمة، وفيها كنائس وقسس تبلغ خمسة عشر مركزا: تقع في القنيطرة، سيدي قاسم، فضالة، سطات، تادلا، الحاجب، كريجة، كرسيف، ميدلت، أزرو، القباب، تارودانت، أكادير، الصويرة، بركان.

4– وهنالك مراكز في جهات عسكرية تزار ما بين حين وحين، يبلغ عددها ثمانية: تقع في بوريد، ميسور، يطّو، جرَّامة، خنيفرة، تمهديت، أزرو، تامنار.

5– وهنالك مراكز دورية تبلغ تسعة عشر مركزا: تقع في تيزنيت، آيت باها، بيوكرة، إيجرم، أزمور، بير الجديد، عين السبع، بولحوت، مارشاند، الخميسات، بوفكران، رأس التبوده، برجانت، الرجيح، تافلالت، ابن رشيد، سيدي يحيى، سيدي سليمان، وادي زم.

6– وأما عدد المراكز التي هي في طريق التكوين، ولا بد أنها تم تكوينها الآن، فيبلغ ثمانية، تقع في بوعرفة، العيون، عين اللوح، سيدي بوقنادل، الصخيرات، عين العودة، بوزنيقة، تازرت.

هذا إحصاء دقيق لحركة التبشير وجهود المبشرين الذي احتلت سهول المغرب وجباله ووديانه، ومناطقه الخاضعة والثائرة، ولا يَغِبْ عن ذهن القراء أن أكثر هذه التشكيلات وليد سنة أو شهور، وإذا كانت الجهود مبذولة على هذه النسبة، وأقيم في كل سنة خمس وأربعون كنيسة، وأسس ثمانون مركزا للتبشير، فسوف لا تمضي سنون قليلة، حتى تحتل المسيحية بلاد المغرب احتلالا تاما “لا قدر الله”، وربما لاحظ القراء أن اسما واحدا من أسماء المواقع قد يتعدد ذكره في هذا الإحصاء، فذلك من أجل أن الموقع الواحد قد تكون فيه مراكز عدة يجتمع بعضا مع بعض، ويكون أحدها كالأصل والآخر كالفرع.

وهنا نقف عن التمادي في وصف الكارثة المغربية الكبرى، والصراع العظيم القائم بين الإسلام والمسيحية، مشهدين العالم الإسلامي على عدوان فرنسا وتهورها وتعصبها، وامتهانها لكرامة الإسلام وعزة المسلمين..

(المرجع: فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى؛ الشيخ: المكي الناصري ط.1994).

 

 

تقرير اللجنة الملكية المكلفة بمحاربة التنصير

يقول الأستاذ محمد المعزوزي وهو من رجالات الإدارة وشاهد على مرحلة تشكل المجتمع المغربي بعد “الاستقلال”:

“فرضت المحاولات التبشيرية لرجال الدين المسيحيين المتواجدين ببلادنا على الحكومة اتخاذ إجراءات مستعجلة للحد من نشاطهم التمسيحي الذي انتشر في العديد من المدن والقرى، متخذا غطاء تقديم الإعانات الصحية للمعوزين داخل الكنائس وفِي الدور التابعة لها، وتقديم دروس مجانية للطلبة والتلاميذ، والقيام بعدة أنشطة ترفيهية أخرى، وإثر ذلك تكونت اللجنة الملكية المكلفة بهذا الموضوع الخطير من السادة: محمد المعزوزي عن وزارة الداخلية، والكولونيل عبد الرحمن الدكالي عن وزارة الأوقاف، والسايح عن وزارة العدل، وكانت مهمتها محصورة في زيارة الأقاليم وتنبيه السلطات الإقليمية إلى خطورة الأنشطة التبشيرية، ودفعها لاتخاذ كل الإجراءات التي يقتضيها الموقف دونما مساس بحرية المعتقد الديني، فطالبنا الكنائس التي تقوم بتقديم المساعدات الصحية، والأنشطة التعليمية، والرياضية بإيقاف أنشطتها، لأنها لا تتوفر على الرخص القانونية المنظمة لهذه الأنشطة، وتبين بعد التحريات أن شبكة تبشيرية كانت تقوم بتجميع الأطفال اليتامى والفقراء واللقطاء في مراكز معينة بغية ترحيلهم إلى بعض الدول الأوربية. وهذا ما أكده الأستاذ عبد الله گنون بقوله:

“وقد تبين من خلال البحث الذي أجرته الوزارة في هذا الصدد، أن هذه الجماعات تقوم بنشاط ملحوظ لتضليل الناس وتشكيكهم في دينهم وحملهم على الدخول في معتقداتها..

وأعطى التقرير بعض الأرقام والإحصائيات التي توصلت إليها الوزارة عن المؤسسات التبشيرية في المغرب، وهي كما يلي:

– 3 مستشفيات

– 20 عيادة أو مستوصفا أو ملجأ ومأوى خيريا

– 16 مدرسة ابتدائية

– 16 ناديا ثقافيا

– 116 ناديا للتكوين النسوي

– 3 مدارس ثانوية

– 3 مكاتب عمومية

– 11 جمعية أخرى

—————————

هذا ما تتوفر عليه الثلة التبشيرية الإحسانية والثقافية والمهنية حسب إحصاء رسمي، وهو أمر يدعو للدهشة والاستغراب”.

محمد لومة؛ دفاعا عن تحرير المغرب وتحصين وحدته الترابية (المؤرخ ورجل الدولة، الحاج محمد المعزوزي..يتذكر) سلسلة منتدى الأمة للدراسات -9-. ص 118-118، ط الأولى 2018.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *