نظرة تاريخية حول مسيرة الإجهاض

انطلقت الدعوة إلى الإجهاض والحد من الولادات في أواخر القرن الثامن عشر، وكان أول من دعا إلى هذه الفكرة هو القس النصراني الإنجليزي “مالثوس” وسبب قيام فكرته زعمه بأن كثرة السكان تشكل خطراً على الموارد البشرية حيث إن السكان يتزايدون بطريقة هندسية متوالية: اثنان، أربع، ثمان، ستة عشر، اثنان وثلاثون،…إلخ، وأما بالنسبة لموارد الأرض فإنها تتزايد بطريقة حسابية: اثنان، ثلاث، أربع…إلخ.

وقد كانت مواقف كل من اليهودية والنصرانية حيال الإجهاض حاسمة، فقد عدت اليهودية الإجهاض محرما ورتبت عليه عقوبة، لكن هذه العقوبة غير مقدرة، وفي النصرانية كان يعتبر محرما وعقوبته القتل، ولهذا كانت في بريطانيا إلى عام 1524م عقوبة الإجهاض هي الإعدام.
ويعتبر الاتحاد السوفييتي -سابقاً- أول دولة في العالم أباحت الإجهاض بمجرد طلب الحامل، حتى مع عدم وجود أي سبب طبي، وكان ذلك في 1920م، وقد أدى ذلك إلى انتشار الإجهاض بدرجة كبيرة؛ جعلت السلطات هناك تتراجع عن قرارها في عام 1936م، عندما أصدرت قانوناً يحدد الإجهاض بالأسباب الطبية.
وعندما انتشرت موجة الإجهاض مرة أخرى قام الاتحاد السوفييتي سنة 1955م بإباحته. وتبلغ حالات الإجهاض ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين حالة سنوياً، وذلك حتى إحصائية عام 1983م.
وتعتبر اليابان أول دولة آسيوية تبيح الإجهاض حسب الطلب، وتبلغ حالات الإجهاض ثلاثة ملايين حالة سنوياً.
وإذا نظرنا إلى عمليات الإجهاض في بريطانيا، فإنها كانت تتم سراً، حتى شرع عام 1967م قانون السماح بالإجهاض، وكان شرط الموافقة على إجراء العملية: الحصول على تقرير من طبيبين يؤكدان ضرورة إنهاء الحمل لتأثيره السيئ على الأم نفسياً أو جسدياً. وقد ازداد عدد عمليات الإجهاض الرسمية في المستشفيات الحكومية من 2300 حالة في عام 1961م إلى 9700 في عام 1967م، ويقدر بأن 10.000 عملية إجهاض في العيادات الخاصة تتم سنوياً، إضافة إلى ما بين 15.000 إلى 100.000 عملية في الأماكن غير المرخصة، أي في عيادات الشوارع الخلفية قبل إصدار قانون الإجهاض. ثم ارتفع العدد الرسمي بعد تطبيق القانون إلى 169.362 عملية إجهاض في عام 1973م!!
وتشير الإحصاءات إلى أن أعلى نسبة إجهاض لغير المتزوجات في بريطانيا لعام 1992م تقع في الفئة العمرية 20-34 سنة، حيث تشكل 68,5% من مجموع حالات غير المتزوجات، و28,3% للمراهقات غير المتزوجات. كما تمثل غير المتزوجات أعلى نسبة للإجهاض، فالمجموع الكلي للإجهاض ازداد من 63.400 عام 1971م إلى 121.800 عام 1992م، لكافة الأعمار من قبل غير المتزوجات أي تضاعف العدد خلال عشرين عاماً. أما المتزوجات فقد هبط العدد للفترة الزمنية نفسها من 58.600 إلى 40.400 ويعزى هذا إلى تطور وسائل منع الحمل التي تستخدمها المتزوجة فتوفر على نفسها عملية الإجهاض.
وأما المجموع الكلي لكافة الأعمار والحالات الاجتماعية فقد ازداد من 133.100 عام 1971م إلى 182.800 عام 1992م، أي بزيادة 5%، ثم أعطيت صلاحية الموافقة على إجراء عملية الإجهاض إلى مديري المستشفيات (من غير الأطباء) بدلاً من الأطباء المتخصصين، مما أدى إلى زيادة عدد عمليات الإجهاض. (التايمز البريطانية عدد 3 يناير 1995م، انظر: المرأة المسلمة في وجه التحديات المعاصرة).
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإن حالة إجهاض الحمل الأولى تتم بناء على رغبة الحامل ودون الحاجة إلى إذن، ثم بدأت عمليات الإجهاض في الستينات بناء على اقتراح الأطباء والمتخصصين لإنهاء حالات الحمل لجنين مشوه أو في حالة وجود خطورة على حياة الحامل. ثم تدخلت الحركات النسوية في محاولة للحث على زيادة السماح بعمليات الإجهاض لإنقاذ آلاف المراهقات من استخدام العيادات غير المرخصة وبصورة سرية، لما فيه من أثر سلبي على صحتهن مما قد يكلف بعضهن حياتهن.
وقد أجازت بعض الولايات في عام 1973م الإجهاض في مراحل شروط قانونية أخرى، وذلك بناء على قرار المحكمة العليا الأمريكية.
وقد أدى هذا القرار إلى إجهاض أكثر من 15 مليون حالة إجهاض في الفترة من عام 1973م إلى 1983م، أي في خلال عشر سنوات فقط كما ذكر ذلك الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان، وهو عدد يعادل عشرة أمثال الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في جميع الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية. (مقال بمجلة هيومان لايف الفصلية، بعنوان: (الإجهاض وضمير الأمة)، وانظر: أفول شمس الحضارة الغربية لمصطفى فوزي غزال 2/95-96، ومشكلة الإجهاض لمحمد البار ص:5-6).
وهو ما جعل الرئيس الأمريكي نفسه يعارض الإجهاض في مؤتمر السكان بالمكسيك 1984م، حيث قال:
(إن الولايات المتحدة ستقف بشدة ضد أي برنامج أو توصيات تتضمن تحديداً للنسل، أو إرشادات، أو معلومات عن الإجهاض..).
تلك كانت نظرة موجزة عن تاريخ الإجهاض في الغرب توضح لنا أن العلمانيين المغاربة لا يحيدون عن منهج وسبيل العلمانيين الغربيين، تشابهت قلوبهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *