للعناية بالتاريخ فوائد وعبَر جمة أدركها الموافق والمخالف، قال “أرنولد توينبي” في محاضرة ألقاها في القاهرة في الستينيات من القرن الميلادي المنصرم: “إن الذين يقرؤون التاريخ ولا يتعلمون منه، أناس فقدوا الإحساس بالحياة، وإنهم اختاروا الموت هربًا من محاسبة النفس أو صحوة الضمير والحس”، وقال شوقي:
اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر *** ضل قومٌ ليس يدرون الخبر
يمكن تجلية بعض هذه الفوائد والعبر في النقاط الآتية:
1- التاريخ الموثق يُمكِّن من معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها، كما حصل في كتاب أشاعه اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط فيه الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة معاوية وسعد بن معاذ، وعند التحقيق والتدقيق يتبين لنا أن معاوية أسلم بعد الفتح، وسعد قد مات يوم بني قريظة، قبل خيبر بسنتين، وبهذا نعلم عدم مصداقية هذا الخبر.
2- التاريخ يعين على معرفة المتعاصرين من الناس، ويسهم في تحديد الصواب من الخطأ حال تشابه الأسماء والاشتراك فيها.
3- التاريخ يعين على معرفة تاريخ الرواة، من جهة وقت الطلب واللقاء، والرحلة في طلب العلم، والاختلاط والتغير، وسَنة الوفاة، وحال الراوي من جهة الصدق والعدالة.
4- التاريخ له أهمية في معرفة الناسخ والمنسوخ، إذ عن طريقه ومن خلاله يعلم الخبر المتقدم من المتأخر.
5- التاريخ تُعرف به الأحداث والوقائع وتاريخ وقوعها، وما صاحبَها من تغيرات ومجريات.
6- التاريخ يعين على معرفة حال الأمم والشعوب من حيث القوة والضعف، والعلم والجهل، والنشاط والركود، ونحو ذلك من صفات الأمم وأحوالها.
7- التاريخ الإسلامي صورة حية للواقع الذي طُبق فيه الإسلام، وبمعرفته نقف على الجوانب المشرقة في تاريخنا فنقتفي أثرها، ونقف أيضاً على الجوانب السلبية فيه فنحاول تجنبها والابتعاد عنها.
8- التاريخ فيه عظات وعبر، وآيات ودلائل، قال تعالى: “قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ” (الأنعام:11).
9- التاريخ فيه استلهام للمستقبل على ضوء السنن الربانية الثابتة التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تحابي أحدا.
10- التاريخ فيه شحذ للهمم وتنافس في الخير والصلاح والعطاء وتثبيت قلوب المؤمنين، قال تعالى: “وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ”، وقال تعالى: “وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ”. قال الجنيد رحمه الله: “الحكايات جند من جند الله عز وجل يقوي بها إيمان المريدين”.
11- التاريخ يبرز القدوات الصالحة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه، وتركت صفحات بيضاء ناصعة، لا تُنسى على مر الأيام والسنين والاقتداء بهم، قال تعالى:” أولاَئِكَ الذِين هَدَى اللهُ فبِهُدَاهُم اقتَدِه..”، قال أبو حنيفة رحمه الله: “الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه لأنها آداب القوم”.
12- ومن أهم ما تفيده دراسة التاريخ معرفة أخطاء السابقين، والحذر من المزالق التي وقعوا فيها، أخذاً بالهدي النبوي فيما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين” متفق عليه.
تلك هي بعض أبرز الجوانب التي تبين أهمية دراسة التاريخ والعناية به، ونخله مما دسَّهُ فيه أهل البدع والأهواء، والمغرضون من اليهود والنصارى والمستشرقين والعلمانيين من تشويه وافتراء لخدمة مصالحهم وأهدافهم.