لماذا اخترنا الملف؟

عالم الجن والشياطين عالم غيبي، لا نراه ولا نسمعه، ولا يمكن أن ندرك حقيقته وكنهه إلا أن يأتينا الخبر الصادق عنه، ومع غيبته عنا إلا أن كثيرا من الناس أطلقوا مخيلتهم في رسمه وتصوره، فصوره الأكثر على أنه عالم الرعب والأهوال، وتعنت آخرون فجحدوه وأنكروا وجوده.
إن مسألة الصرع والمس أو “دخول الجان بدن الإنسان” من المسائل التي شغلت الناس، وتبرز أهمية دراستها أن قسما منها يمسُّ جانب التوحيد وقداسته، وهو الذي برحت الشريعة تحيطه بسياج قوي كيلا يَخدش صفاءَه دخن من الشرك قلّ أو كثُر، فأعلنت الشريعة أحكامها تحمي حمى التوحيد، وتصد كل الأبواب التي تسعى للنيل منه والتأثير عليه، فكانت القاعدة الفقهية (سد الذرائع) لتصون ذلك، تلك الذرائع التي تتردى بصاحبها إلى هاوية الشرك، إضافة إلى جانب آخر وهو تعلقها بموضوع الرقية، بسبب المدخل العظيم للشيطان للنيل من البيوت الإسلامية والعبث فيها وتحطيمها من الداخل.
وقد دفع غلو بعض الناس في تعظيم عالم الجن والصرع والمس، نفرا آخر من الناس إلى التقصير فيها وإهمالها، بل وإلى ردِّها من الأصل وإنكارِها.
فكثير من الناس جعل الأمراض الروحية كالصرع، والسحر والعين الشماعة التي يعلقون عليها أمراضهم ومشاكلهم الاجتماعية، “فصار من في رأسه صداع ملبوسا، ومن عينيه احمرار مصروعا، ومن في بطنه وجع مجنونا، فأي وجع أو ألم يصاب به إنسان يعزى باشتباه حينا، وبجهل -أحيانا- إلى الجن أو المس أو الصرع”، الأمر الذي جعل بعض الناس ينكرون الصرع والمسّ.
وعجبا لمن ينكر حقيقة المس والصرع ودخول الجان بدن الإنسان، رغم أن “المسألة أجمعت عليها الأمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجني في بدن المصروع وغيره، ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يُكذب ذلك، فقد كذَب على الشَّرع، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك”.
وكيف يُنكر أمرٌ مشاهدٌ ملموسٌ، يتكلم الشيطان على لسان المصروع بلغة غير لغته، ولهجة غير لهجته، ونبرة صوت غير نبرة صوته؛ يخبرك الشيطان على لسان المصروع عن أمور لا يعلمها ولا يدركها المصروع نفسه؛ ويشعر المصروع بسريان الشيطان في جسده وبتأثيره عليه في بدنه، وقد يفسد عليه عقله وفكره، ويجعل أعضاءه تتصرف بطريقة مغايرة للمألوف.
لقد أنكر العقلانيون المعاصرون عقيدة مس الشيطان للإنسان مسا حقيقيا، ودخوله في بدنه، وصرعه إياه، مموهين بتأويلات المعتزلة، ومضعفين الأحاديث الصحيحة من صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما..
الأمر نفسه قامت به قناة الرسالة حيث طرحت موضوع هذا الملف خلال إحدى برامجها بصورة ظاهرها البحث العلمي وباطنها إنكار للنصوص الصحيحة، مع تعسف في التأويل، وتقديم للعقل على النقل على منهج المعتزلة، ملبسين بذلك على جمهور المشاهدين.
وفي مقابل هذا كلِّه “اشتط قوم آخرون، فاستغلوا هذه العقيدة الصحيحة، وألحقوا بها ما ليس منها مما غيَّر حقيقتها، وساعدوا بذلك المنكرين لها! واتخذوها وسيلة لجمع الناس حولهم لاستخراج الجان من صدورهم بزعمهم، وجعلوها مهنة لهم، لأكل أموال الناس بالباطل، حتى صار بعضهم من كبار الأغنياء، والحق ضائع بين هؤلاء المبطلين وأولئك المنكرين”. (تحريم آلات الطرب).
أما السحرة والمشعوذون فقد فتحوا باب الشرك أمام الناس على مصراعيه، بأمرهم بالذبح لغير الله، والتقرب إلى الجن بالقرابين وتلاوة العزائم الكفرية، وتعليق الأحجبة التي تحتوي على رسوم للنجوم والمربعات والأحرف وأسماء الجن ونحو ذلك من كفر وشرك صريح، وغيرها كثير كثير من الوسائل الشيطانية التي يلبسون بها على الناس.
هذا كله يتم أمام مرأى ومسمع من الجهات المعنية بحماية المواطن المغربي من زعزعة عقيدته، فما يكاد يخلو حي من أحياء المدن الكبرى أو الصغرى -خاصة الأحياء الشعبية- إلى ويوجد به مقرات ومحلات للسحرة والمشعوذين الذين يعاقرون هذا الشرك البواح، مضللين الناس عن صراط رب العباد، والفرار إليه سبحانه، والتضرع بين يديه.
ونحاول من خلال هذا الملف أن نضع بين يدي القارئ الكريم صورة توضح المراد وتبلغ المقصود، معتمدين في ذلك بعد الله تعالى على ما ورد في القرآن والسنة وما اتفق عليه علماء الملة، فما عدا ذلك فهو ضرب من الخيال، ونوع من الكذب، وتخبط وتلبيس.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *