قال تعالى: {وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً، يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} (النساء27-28).
قال ابن كثير: أي: يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة (أن تميلوا) يعني: عن الحق إلى الباطل (ميلا عظيما). (يريد الله أن يخفف عنكم) أي: في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم.. (وخلق الإنسان ضعيفا) فناسبه التخفيف؛ لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته.
وهكذا تأتي هذه الآيات لترسم للمؤمنين طريقا واضحا ومسلكاً سوياً فيما يريده الله شرعا من عباده، ويحذرنا من أصحاب الشهوات وأرباب الملذات الذين يجلبون بخيلهم ورجلهم رافعين شعاراتهم الزائفة، لإخماد هذا النور وإطفاء هذا السراج.
فـ”أفكارهم وطريقتهم في الحياة تؤدي إلى أن تميلوا ميلا عظيما، وهذه الآية واردة أصلا في سورة النساء الكبرى، وفي سياق بيان أحكام الزواج والمرأة والأسرة المسلمة عموما؛ والتي هي قضية الحركات الأنثوية وموضوع حديثهم، فهذا الميل العظيم الموجود في أفكارهم يجعلنا في غنى عن الدخول في مناقشة طويلة للرد عليها، لأنها واضحة البطلان على الأقل في مجتمعاتنا الإسلامية، والتي لا تزال على خير كثير في قضايا الأخلاق والاجتماع والتي تعرف المعروف وتميزه عن المنكر” (الحركة الأنثوية وأفكارها؛ مثنى الكردستاني).
قال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: “والمقصد من التعرض لإرادة الذين يتبعون الشهوات تنبيه المسلمين إلى دخائل أعدائهم، ليعلموا الفرق بين مراد الله من الخلق، ومراد أعوان الشياطين، وهم الذين يتبعون الشهوات. ولذلك قدم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله: (والله يريد أن يتوب عليكم) ليدل على التخصيص الإضافي، أي الله وحده هو الذي يريد أن يتوب عليكم، أي يحرضكم على التوبة والإقلاع عن المعاصي، وأما الذين يتبعون الشهوات فيريدون انصرافكم عن الحق وميلكم عنه إلى المعاصي. وإطلاق الإرادة على رغبة أصحاب الشهوات في ميل المسلمين عن الحق لمشاكلة يريد الله ليبين لكم.
والمقصود: (ويحب الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا) لما كانت رغبتهم في ميل المسلمين عن الحق رغبة لا تخلو عن سعيهم لحصول ذلك، أشبهت رغبتهم إرادة المريد للفعل. ونظيره قوله تعالى بعد هذه الآية (يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل).
..وأراد بالذين يتبعون الشهوات الذين تغلبهم شهواتهم على مخالفة ما شرعه الله لهم من الذين لا دين لهم. وهم الذين لا ينظرون في عواقب الذنوب ومفاسدها وعقوبتها، ولكنهم يرضون شهواتهم الداعية إليها.
وفي ذكر هذه الصلة هنا تشنيع لحالهم، ففي الموصول إيماء إلى تعليل الخبر، والمراد بهم المشركون: أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح أزواج الآباء، واليهود أرادوا أن يتبعوهم في نكاح الأخوات من الأب ونكاح العمات والجمع بين الأختين، والميل العظيم هو البعد عن أحكام الشرع والطعن فيها، فكان المشركون يحببون للمسلمين الزنى ويعرضون عليهم البغايا، وكان المجوس يطعنون في تحريم ابنة الأخ وابنة الأخت ويقولون: لماذا أحل دينكم ابنة العمة وابنة الخالة، وكان اليهود يقولون: لا تحرم الأخت التي للأب ولا تحرم العمة ولا الخالة ولا العم ولا الخال، وعبر عن جميع ذلك بالشهوات لأن مجيء الإسلام قد بين انتهاء إباحة ما أبيح في الشرائع الأخرى، بله ما كان حراما في الشرائع كلها وتساهل فيه أهل الشرك.