يقوم المشروع الديمقراطي الحداثي العلماني على تقديس حرية الفرد وخدمة شهواته ورغباته ونزواته.
في حين أن المشروع الإسلامي قائم أولا على تعبيد الناس لله رب العالمين، ثم على حفظ أمنهم في جميع مستوياته ومظاهره وتمثلاته، فيأمن الناس على دينهم أولاً ثم على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأعراضهم بل وعلى كل ما يحيط بهم. وهي الضرورات الخمس التي جاء الشرع لحفظها.
في المشروع الديمقراطي الحداثي العلماني، الفرد هو قطب الرحى فتقاس القيم بمدى خدمتها لنزواته ورغباته، ويصبح الفرد هو المشرع وعليه المعول، لذلك تتسع دائرة رغباته وشهواته، ويتنافس السياسيون ورجال القانون في إرضائه، وكل فاحشة أو رذيلة أو شذوذ أو منكر تواطأ المجتمع على قبوله أصبح عادة وقانونا، وشهوات الناس لا تنقضي، كلما أشبعوا إحداها رغبوا بالمزيد، ولا يزيدها الإشباع إلا أوارا واشتعالا.
ويولع الناس بتجريب الممنوعات والمحظورات والانغماس في الشذوذ والغرائب، والشغف بالجنس والإجرام، لذلك لا نستغرب إن كانت أعلى معدلات الجريمة في الدول الديمقراطية التي تقدس الحرية الفردية، فنجد على رأس تلك الدول بريطانيا وأمريكا وفرنسا.
وحسب إحدى الإحصائيات فإن جريمتا قتل تقع كل دقيقة في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، وقد جاء على لسان رئيس الندوة الدولية لمكافحة الجريمة والإرهاب، الجنرال أناتولي كوليكون، أن هناك 400,000 جريمة ترتكب يومياً في العالم، وأن الجريمة قد نمت خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة حوالي 8 مرات في أمريكا، و7 مرات في بريطانيا والسويد، و4 مرات في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ومرتين في اليابان..
مجتمعات ضائعة تلهث وراء الملذات والشهوات في حلقة مفرغة لا تنتهي.
أما في المشروع الإسلامي فإن إرضاء الله عز وجل ومراقبته في أجواء من الأمن والإيمان، هو هدف هذا المشروع، فتهيأ كل الظروف المساعدة لذلك، ومن هنا كانت ما يمكن أن نطلق عليها استراتيجية لحماية الأمن في الإسلام، من خلال مجموعة من النصوص المؤطرة.
نصوص تدعو إلى احترام خصوصيات الآخرين بأسلوب الوعظ والترغيب، ونصوص تحذر وتذكر بالعقاب الأخروي لمن اعتدى أو اقترف جريمة أو اعتداء ما، ونصوص عقابية وزجرية بمثابة قوانين جنائية هي الحدود. نصوص لحماية أمن الأفراد، ولحماية أموالهم وأعراضهم وأولادهم، ونصوص لحماية أمنهم الروحي، ونصوص لحماية الدولة الإسلامية ورعاياها سواء مسلمين أو غير مسلمين، ولعلنا لسنا في حاجة أن نسوق أمثلة على تلك النصوص.
وحتى في غياب المشروع الإسلامي في شقه السياسي، وغياب الحدود وقوانين الشريعة الزاجرة، فإن بلاد المسلمين تعتبر فيها نسب الجريمة ومعدلاتها من أقل النسب والمعدلات في العالم، فقط بما بقي من نصوص الوعظ والتذكير بعقاب الله، وبما بقي من أخلاق وتراحم بين الناس، رغم اندراس الحدود وغياب تطبيق الشريعة التي جاءت بالأمن والأمان والرحمة للعالمين.