ميراث المرأة في القوانين الغربية الحديثة

التشريعات غير الإسلامية لا تعرف نظام الميراث، إنما تأخذ بنظام الوصية، وهذا من شأنه أن يسمح للشخص بمطلق التصرف في أمواله قبل وفاته، فيوصي بها لمن شاء من أقاربه أو غيرهم، بل له أن يوقف هذه الأموال على الكلاب أو القطط ويحرم منها بناته وبنيه!

مدنية القرن العشرين التي نقلدها ويسير عليها غير المسلمين، بعضها تحصر الميراث في الابن الأكبر، وبعضها ينكر الميراث من الأصل، تقول آني بيزنت في كتابها “الأديان المنتشرة في الهند”: “ولا تقف تعاليم الإسلام عند حدود العمومية، فقد وضع قانون الوراثة للنساء، وهو قانون أكثر عدالة وحرية من القانون الذي كان معمولا به -أي في الهند- وهو القانون المسيحي والإنجليزي”.
ثم قالت: “فما وضعه الإسلام للمرأة يعتبر قانونا نموذجيا تكفل بحمايتهن في كل ما يملكن، وضمن لهن عدم العدوان على أي حصة مما يرثنه عن أقاربهن وأخواتهن في كل مالهن وأزواجهن”.
لقد وصفت آني بيزنت قانون الوراثة الإسلامي بأنه أكثر عدلا وأوسع حرية من القانون النصراني الإنجليزي.
فالبلاد النصرانية أكثرها يحرم المرأة من الميراث إلا قيمة ضئيلة، أو ما جادت به وصية الرجل قبل وفاته؛ ففي رسالة البطريرك يوسف حبش إلى رئيس مجمع نشر الإيمان المقدس، المرسلة في 29 سبتمبر سنة 1840: “من حيث إن القضاة أخذوا كل شيء في الجبل (جبل لبنان) على موجب الشرائع الإسلامية، وعلى الأخص من جهة توريث البنات…”، ثم قال: “من حيث إن العادة السابقة كانت سالكة في هذا الجبل عند الجمهور الأغنياء والفقراء بأن الإبنة ليس لها حق من والديها إلا إذا أوصوا لها بشيء خصوصي”.
وهذا يؤكد أن شرائع الغرب -ومن أخذ عنهم- تحرم البنت من الميراث إلا إذا وصى لها أبوها. فما زالت أوربا تترك أمر توزيع المال بعد الوفاة لوصية صاحب المال فيحرم من يشاء ويعطي من يشاء، والأعباء المالية تشارك فيها الزوجة فتحمل الأعباء دون مقابل.
فقد نصت المادة (203) من القانون المدني الفرنسي على أن: “ينتج من الزواج واجب الإنفاق والمساعدة وتربية الأطفال”. ولم يحدد هذا النص من هو الملتزم بهذا الواجب؟ آلرجل أم المرأة؟ أم هما معا؟ ولكن المادة (207) تنص على أن الالتزامات بين الزوجين متبادلة، كما تنص المادة (12) على أن يلزم الزوجان بالتبادل أمورا منها النجدة والمساعدة والإخلاص.
والمادة (213) تقضي بأن يوثق الزوجان معا الإدارة المعنوية والمادية للأسرة، ويشرفا على تربية الأطفال. فإذا لم يتضمن النظام المكتوب بين الزوجين هذه الأمور، فليلتزم الزوج أو الزوجة بذلك حسب استطاعته، ولكن يلتزم الزوج بصورة رئيسية أن يقدم للأسرة كل ما هو ضروري حسب قدرته وحالته. وتلتزم الزوجة بأن تسهم من الموارد التي تحت يدها وبنشاطها في البيت أو من مساعدتها له في مهنته (مادة 214)، فإذا جاء الزوج وأوصى بأمواله لغير الورثة، يبيح القانون له ذلك، وفي هذا ظلم للزوجة إذ شاركت في الأعباء وحرمت من الميراث. المرأة بين الإسلام والقوانين العالمية؛ المستشار سالم البهنساوي، ص:188-192.
إن بعض الطوائف اليهودية لا تزال حتى الآن تمنع المرأة من الميراث مع إخوتها الذكور، ومنذ سنة 586م اعتبرت فرنسا المرأة إنسانا خلق لخدمة الرجل تباع وتشترى، ولا حق لها في الإرث، وامتدت آثار هذه النظرية المزرية إلى القرون الوسطى عندما حرمتها إنجلترا في القانون الصادر عن البرلمان الإسكتلندي سنة 1567م من أن يكون لها سلطة على شيء من الأشياء.
وفي سنة 1650م صدر قانون آخر يحرمها من حقوقها الشخصية بما فيها حق المواطنة وحقوقها المالية من الأموال التي تكتسبها وتتعب عليها بعرق جبينها. هل المرأة نصف الرجل في الإسلام على الدوام؛ أحمد جوهل، ص:214.
وفي الغرب يختلف اليوم حكم التوريث من بلد لآخر. ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، للمورث الحق في ترك وصية بكامل ما يملك لمن أراد سواء أكان قريباً أم غريباً أو حتى حيواناً، فيمكن أن يحرم الأبناء كلياً من أي شيء في الإرث. لكن بشكل عام، فإن نصف الإرث يذهب إلى الزوج(ة) والنصف الآخر يتوزع بالتساوي بين الأبناء لا فرق بين ذكر وأنثى. هذا في العصر الحديث، ويشار إليه بقانون نابليون في التوريث، ولكن في سابق عهد نابليون بونابرت كان الإرث يذهب بالكامل للابن الأكبر سناً ولا شيء للباقي من الورثة.
ومن هنا نرى أن التشريعات غير الإسلامية لا تعرف نظام الميراث، إنما تأخذ بنظام الوصية، وهذا من شأنه أن يسمح للشخص بمطلق التصرف في أمواله قبل وفاته، فيوصي بها لمن شاء من أقاربه أو غيرهم، بل له أن يوقف هذه الأموال على الكلاب والقطط ويحرم منها بناته وبنيه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *