لقد استطاعت دولة الكيان الصهيوني -بصرف النظر عن صحة هذه الأهداف وموقفنا منها- أن ترفع من شأن تعليمها وترقى بمستوى جامعاتها، بل في ظرف وجير جدا استطاع هذا الكيان أن ينافس التعليم الأوروبي والأمريكي من خلال خطة منهجية تأسست على:
1 – أن اليهود أمة واحدة: فالتعليم بعد قيام هذه الدولة الغاصبة ما عاد تابعا إلى أقصى اليمين أو إلى اليسار بل أصبح كله خاضعا لوزارة المعارف والثقافة “الإسرائيلية”…
2 – أن أرض “إسرائيل” المغتصبة هي وطن هذه الأمة ولا بد من العودة إلى هذا الوطن والارتباط به: فاهتم اليهود بالزراعة وشراء الأراضي، وتم إنشاء أول ثانوية زراعية لربط أبناء اليهود بالأرض وتوفير العلم المعرفي والمادي لتنميتها بأحدث الوسائل وتسويقها في أوروبا، بل حتى في بعض بلاد العرب.
3 – يجب أن تعاد صياغة هذه الأمة وفق الثقافة اليهودية والروح اليهودية: الأمة الوحيدة التي تبالغ في الاهتمام بلغتها ودينها هم اليهود، والأمة الوحيدة التي لا تكترث لمواجهات الغزو الديني واللغوي في الدنيا هي الأمة العربية والإسلامية، لهذا نجد التعليم الديني مسيطرا على أنظمة التعليم المختلفة.
4 – اليهود شعب الله المختار ويجب أن يتصرفوا على هذا الأساس: ولتحقيق هذا الهدف اهتم الكيان الصهيوني بالإكثار من الجامعات ومراكز البحث العلمي لتكوين القيادات وإبرازها في مختلف المؤتمرات العالمية، وترشيح علمائهم للجوائز العالمية.
5 – لأجل المحافظة على دولة الكيان الصهيوني وسط مشاعر العداء يجب أن يكون المجتمع عسكريا: حيث أشاعت التربية العسكرية في مناهج التعليم وربطت القتال عندهم بعقيدة الأمة وتاريخها وبطولاتها الوهمية باعتبار أن خلافة الله في الأرض لا تتحقق إلا بالقوة والروح القتالية، ويكفي أن نعرف أن شعب الكيان الصهيوني كله رجالا ونساء جيشا منظما قادرا على حمل السلاح دائما…
6 – ينبغي أن تكون دولة الكيان الصهيوني دولة عصرية: لهذا اهتمت بالتعليم من خلال إنشاء الكليات والمعاهد والمدارس الشاملة…
ومن المؤسف أننا إذا طبقنا هذه الأهداف اليهودية على أمتنا العربية والإسلامية نجد التالي:
1- أمتنا لم تتوحد ولن تتوحد ما دامت تركز على اللغة والقومية، فما سمعنا شعوبا جمعتها لغة، واليهود اتحدوا لانتمائهم لدين واحد، وليس إلى لغتهم العبرية، فالعقيدة هي أساس الوحدة…
2 – ما يدرس لأبنائنا من تقسيمات جغرافية وحدود وهمية جعلت المواطنة هي بقعة الأرض التي نعيش فيها، فأصبح المسلم عاجزا عن حماية إخوانه في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والشيشان و… ببساطة لأنها ليست أرضا له.
3 – أمتنا اختارت كل شيء في مناهجها، أطروحات الغرب وتجارب الشرق، إلا خيار العقيدة والدين، فهو تعصب ورجعية وتخلف، تدريس الدين عندنا هو مقابل للثقافة والتراث ليس إلا، نعطيه فضول أوقاتنا، وندرسه بطريقة منفرة ومعقدة…
4 – يدعي اليهود أنهم شعب الله المختار، وكان حريا بأمتنا أن تقرأ قوله تعالى كل يوم وليلة: “ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ” آل عمران.
5 – التعليم عندنا بعيد كل البعد عن التربية العسكرية والرجولية، فالشباب عندنا والشابات لا يتقن الواحد منهم إلا هز البطون والأرداف، فقد علمتهم التربية الموسيقية والفنية في المدارس والجامعات: المقامات الصوتية ورقصة الباليه وذكاء الجسد والهيب هوب… جيل مستلب لا يستطيع الدفاع عن نفسه فضلا عن وطنه وأمته.
6 – أمتنا عصرية لكن ليس بالصناعة والزراعة والبحث العلمي بل بأحدث موديلات الألبسة والسيارات والأثاث المنزلي التي نستوردها من الخارج.
إن المناهج الدراسية لدى اليهود جعلت من الجبان بطلا، ومن الوهم حقيقة ومن السراب أسطورة، وممن سيختبئ وراء الشجر والحجر جيشا لا يقهر.
لكن المناهج عندنا شككت في تاريخ الأمة التليد، واتهمت الكتب الصفراء بالجمود، واستبدلت ما قال الله وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال المفكر وما قال الفيلسوف… وسودت المقررات التعليمية بكلمات الدمقرطة والحداثة وزمالة الأديان والأخوة الإنسانية بين المسلم والكافر والتربية البيئية والفنية والموسيقية والغنائية… ولله المشتكى وإليه المفر.