المهرجانات الموسيقية بين موقف بني علمان وبعض المنتسبين إلى جماعة العدل والإحسان

الشباب هم عماد نهضة الأمة، وعليهم المعول بعد الله تعالى في تحمل أعباء المسؤولية ومقاليد الأمور في المستقبل، لهذه الغاية جعلتهم معظم الدعوات محور برامجها وأسها ومرتكزها.

فالقادر على التأثير والتحكم في هذه الشريحة يستطيع أن يضمن مستقبلا التحكم في مجريات الأمور داخل البلاد، ولنعتبر جميعا بما جرى في بلدنا المغرب، فمذاهب ومصطلحات من قبيل اليسار أو الشيوعية أو الاشتراكية أو الحداثة أو العلمانية أو غيرها لم يكن لها وجود يذكر داخل مجتمعنا المغربي، غير أن دعاتها استطاعوا اقحامها عنوة في الخطاب والساحة الفكرية بطرق شتى من أبرزها التأثير المباشر في الشباب خاصة الجامعي.
أما اليوم فقد تنوعت أساليب التأثير في الشباب وتعددت، وبلغت حدا يصعب معه حتى على المتتبع حصرها وضبطها، وذلك بنقل التجارب الغربية المتعددة التي تعمل لهذا الغرض، كبرامج الشباب من قبيل “ستار أكاديمي” و”كاستن ستار”، ومهرجانات موسيقى الشباب كـ”البولفار” ومهرجان “موازين” ومهرجان سلا لموسيقى الشباب، و”ستوديو 2M” الذي عمد منظموه في الدورة الأخيرة على تثبيت إحدى عشرة شاشة عبر كافة التراب الوطني.
إنها برامج ومهرجانات فتاكة تضرب شريحة الشباب في مقتل، وتهدف إلى إغراقهم في مستنقع الشهوات واللذات، بغية تتفيه عقولهم وتلهيتهم وصرفهم عن الهموم التي تختلج صدورهم، وعن قضايا الوطن والأمة المصيرية.
برامج ومهرجانات شعارها العري والاختلاط والرقص والمجون وتقليد الغرب في لباسه وكلامه وحركات تعبيره بل حتى غنائه.
برامج ومهرجانات تصرف عليها الميزانيات الضخمة، في وقت يعاني فيه الشباب المستهدف من ضعف التمدرس والتكوين والبطالة والبحث العلمي..
برامج ومهرجانات الغرض من ورائها ربط الشباب المغربي مباشرة بالرموز المزيفة التي تروج لها منابر العري والسفور والاختلاط، وتسمح من خلال هذه المهرجانات باللقاء المباشر مع من يسمونهم نجوم، وهو ما تجسده مظاهر صراخ وعويل وبكاء بعض الشباب حين رؤيتهم لمثل هؤلاء الفنانين.
إن الهدف الحقيقي وراءها مثل هذه البرامج والمهرجانات هو الصد عن سبيل الله ومحاربة الدعاة إلى الله، وذلك بمنع الحق من الوصول إلى هذه الفئة المؤثرة في المجتمع، وإضعاف انتمائها إلى دينها ووطنها وهويتها، وهو ما صرح ولا زال يصرح به العلمانيون في بلدننا.
ويعبرون عن هذا النوع الجديد من الموسيقى كـ”الراب” وغيره بـ”الموجة العارمة” التي يصعب الوقوف أمامها، وكأن هؤلاء الشباب هم من أصر على تقليد الغرب في مثل هذا النوع من الموسيقى، علما بأنه تم الترويج له عن طريق بعض الفرق الموسيقية الأمريكية، وكذا الأفلام الهوليودية، والصحافة العلمانية المقروءة والمسموعة والمكتوبة، فشبابنا ما هم إلا ضحايا لموجة الغزو العلماني الغربي.
ولنعكس الصورة قليلا ونفترض أن إعلامنا الوطني غير وجهته، وقام بالترويج للعلماء والدعاة والوعاظ، وطالب بتخصيص شواطئ غير مختلطة، وأصبح يدعو إلى الحجاب والعفة والحياء والمحافظة على كافة الأحكام الشرعية، وحارب دعاة العري والرذيلة والتفسخ.
فلمن ستكون الغلبة يا ترى؟
وكفة من ستكون راجحة؟!!
الجواب واضح ولا يحتاج إلى كثير بيان، فرغم محاصرة العلمانيين للعلماء والدعاة ووسمهم بوابل من التهم جزافا، يأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره ولو كره العلمانيون.
وخير مثال يجسد هذا الوضع مسجد الحسن الثاني رحمه الله والذي يؤم الناس فيه خلال الصلوات الجهرية وصلاة التراويح القارئ عمر القزابري، فقد كان هذا المسجد بالأمس القريب لا يقصده إلا القليل من المصلين، لكن بعد التمكين لهذا المقرئ المتميز ذو الصوت الندي من الإمامة في هذا المسجد أصبح المغاربة خلال شهر رمضان لا يقصدونه من داخل البيضاء فحسب بل من ربوع المملكة كافة.
العدل والإحسان والمهرجانات الموسيقية
إذا كان دافع العلمانيين وراء الترويج لدعاة العري والصخب هو الشهوة وتحقيق اللذة، ومحاربة الدعوة إلى الله بإغراق الشباب في مثل هذه المستنقعات، فإن موقف بعض دعاة جماعة العدل والإحسان يعد أشد غرابة، إذ عبر محمد العربي أبو حزم عضو ومنشد بالجماعة المذكورة: “ينبغي مراجعة التعامل مع هذه الأمور، في بعض القضايا التي لا ينبغي تهميشها ولا التقليل من خطورتها، ولكن ليس إلى الحد الذي تصبح كأنها القضايا الجوهرية والأساسية التي لها الأولوية في الطرح، خاصة في مجال حساس هو مجال الإبداع والفن، لأن الناس يرتبطون به كثيراً، خاصة في وجود إعلام يحاول تشويه صورة الإسلاميين بدعوى أنهم ضد الفن والإبداع”. (انظر جريدة المساء عدد545).
وتأمل أخي القارئ الكريم عبارة “فبالدخول في إثارة هذه القضايا يتم الدخول في صراع مباشر مع الناس” أهذا هو المانع من إظهار الحق ممن يدعي أن مرجعيته إسلامية، أم أن الطمع في نيل الخلافة أعمى الأبصار، ثم هل ظهر حق على وجه الأرض من غير مدافعة وابتلاء، قال تعالى: “وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”، وقال صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم”. رواه الترمذي.
ثم لماذا يصر الزعماء والمنتمون لبعض الجماعات الإسلامية على اللف والدوران وكتمان الحق الأبلج وهو بيان: موقف الشرع الحنيف من الموسيقى والاختلاط والرقص التي تطبع المهرجانات الموسيقية.
أأغفلت مثل هذه المباحث في كتب الفقه الإسلامي؟
حاشا وكلا، فقد جلى علماؤنا الكرام أحكام هذه المسائل حتى أضحت كالشمس في رائعة النهار، أما من أراد تصيد الشاذ من الفتاوى فسيجد بغيته حتى إن أراد شرب النبيذ أو أكل لحم الكلاب.
إن النافع المفيد لشبابنا المغربي هو ربطهم بماضيهم التليد وبالرموز الحقيقيين للدين والوطن، والذين حققوا للأمة كافة ولهذا البلد خاصة العز والسؤدد والتمكين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *