هل يراعي المطالبون بحرية الإجهاض مخاطره وأضراره على صحة المرأة؟

من المحسوم فيه أن الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين محرم بإجماع الفقهاء، وهو قتل بلا خلاف موجب للغُرّة؛ أي: دية الجنين، وتساوي 5% من الدية الكاملة.
قال ابن عبد البر في النهاية: الغرة: عبد أو أمة وهو: نصف عشر الدية وقيل: العشر، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ” رواه البخاري ومسلم، لأنه جناية على مخلوق في بطن أمه لم ير نور الحياة بعد ولم يعرف لها خيراً أو شراً، ولم يقترف إثماً ولا جرماً.
واستثني من ذلك التحريم أن يكون الحمل يشكل خطراً على حياة الأم، كأن تكون الأم مريضة بمرض القلب أو الكلى أو تكون مصابة بأمراض خبيثة كسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم أو أمراض الدم..إلخ، المهم أن بقاء الجنين يكون خطرا على سلامة الأم.
فتُقدم آنذاك حياتها على حياة الجنين، أو أن يكون الجنين مشوهاً تشويهاً شديداً، وهذا ما أفتى به بعض الفقهاء المعاصرين وأفتى به مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة، فقد جاء في قرار المجمع المذكور ما نصه: (قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات وبناءً على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مشوه تشويهاً خطيراً غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلاماً عليه وعلى أهله فعندئذٍ يجوز إسقاطه بناءً على طلب الوالدين. والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر) اهـ. (قرارات مجمع الفقه الإسلامي ص:123).
وقد ثبت طبياً أن ما بين سبعين إلى ثمانين بالمائة (70%-80%) من الأجنة المجهضة طبيعياً تكون مشوهة، وهذا من رحمة الله عز وجل.
ويؤكد أساتذة الطب والتوليد الغربيون الذين عانوا من ويلات الإجهاض؛ أن إباحته تترتب عليها أضرار صحية ونفسية واجتماعية خطيرة للغاية. ومن هؤلاء الأطباء الدكتور (T.N.Jeffcoate) أستاذ التوليد وأمراض النساء بجامعة “ليفربول” في أنجلترا الذي خرج عن صمته وأكد أنه: (لا ينبغي أن تكون الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية مقبولة لتسويغ الإجهاض عند الطلب؛ وذلك أن في إباحة الإجهاض -ولو كان “آمناً”- أضراراً صحية ونفسية على الأم، وذلك لأسباب عديدة:
السبب الأول: ليس من المقبول طبياً أن نُعَرّض المريضة لمخاطر عملية جراحية أو تحطيم حياة جنينها، لمجرد تحسين وضعها المالي، أو سمعتها العائلية.
السبب الثاني: بالرغم من إباحة القانون للإجهاض عند الطلب، فإن هذا القانون لن يستطيع أن يجعله سائغاً أخلاقياً بالنسبة لمهنتي الطب والتمريض، اللتين من أولويات واجباتهما النظر في الاعتبارات المتعلقة بالصحة البدنية والعقلية للمريضة.
السبب الثالث: إن الإجهاض حسب الطلب ضد كل الممارسات الجراحية؛ حيث إن المريضة هي التي تقرر متى تكون العملية ضرورية، وهي لا تدرك مدى الأضرار والعواقب.
(ثم يعقب البيان بعد ذلك بذكر قائمة المخاطر المترتبة على عملية الإجهاض، ولخصها فيما يلي):
المخاطر المترتبة على الإجهاض:
نفسيا: إن غريزة الأمومة من القوة بحيث يعقب هذه العملية ندم دائم وتأنيب للضمير فيما بين 25% إلى 50% من النساء، حين تكون الدواعي غير طبية.
وفي دراسة أجريت في دولة يوغسلافيا -سابقاً- وجد أن 76% من جميع النساء اللاتي أجري لهن إجهاض محدث (أي بفعل فاعل) مصابات باضطرابات نفسية. (انظر: مشكلة الإجهاض لمحمد البار ص:27).
طبياً: يمكن أن يعقب العملية واحد من المضاعفات الآتية:
أ – النزيف والصدمة الجراحية؛ مما قد يؤدي إلى وفاة المريضة بنسبة 3-8 في كل عشرة آلاف حالة. وتصل هذه النسبة إلى ثلاثة في كل ألف حالة، إذا كانت العملية مصحوبة بفتح البطن، أي على الأقل عشرة أضعاف النسبة الأولى.
ب – تصل نسبة الحالات المرضية المترتبة إلى 15%.
ج – تمزق عنق الرحم، مما يؤدي إلى تكرار الإجهاض بعد ذلك تلقائياً.
د – خرم أو انفجار الرحم فيما لا يقل عن 0,5%. وقد تؤدي إلى إصابات في الأمعاء أو المثانة وغيرها من محتويات البطن.
هـ – الالتهابات المختلفة في الرحم والبوقين والمبيضين والحوض، وهذه قد تؤدي إلى الصدمة العفنة. وقد تؤدي هذه الالتهابات إلى العقم الدائم في نسبة تتراوح بين 2% و3%.
اجتماعياً:
أ – تدهور الأخلاق والفوضى الجنسية والأمراض المعدية.
ب – 50% من اللاتي سبق أن أجري لهن عمليات إجهاض، يعدن لطلب عمليات أخرى متكررة.
ج – في كثير من البلدان تزيد نسبة حالات عمليات الإجهاض حسب الطلب على حالات الولادة.
د – تعوق كثرة حالات طلب الإجهاض كثيراً من الخدمات المطلوبة من المستشفيات لحالات خطيرة من أمراض النساء؛ لاحتلالها نسبة من الأَسِرّة المتاحة بالمستشفيات.
فهل بعد ما سبق ذكره من الأضرار والأخطار الصحية والنفسية على المرأة المجهضة، يدعو عاقل إلى الإجهاض وتيسير سبله؟!
خاصة إذا علمنا أن الإجهاض يتسبب في نصف حالة الوفيات بين النساء الحوامل، كما أكدت ذلك مديرة صندوق الأنشطة السكانية وسكرتير عام المؤتمر الدولي للتنمية والسكان الدكتورة نفيس صادق. (انظر كتاب قضايا المرأة في المؤتمرات الدولية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *