أدلة الانهزام الأمريكي في أفغانستان محمد زاوي

 

يروق لكثيرين أن “يؤلهوا” الولايات المتحدة الأمريكية، كما يروق لهم أن يمنحوها القوة والقدرة “المطلقتين” فوق كل اعتبار تاريخ، اقتصادي، سياسي وعسكري. والحقيقة أن أمريكا لم تنهزم في أفغانستان فقط، بل فيها وفي لبنان وفلسطين والعراق وسوريا… الخ.

وأدلة انهزامها، وفي أفغانستان خاصة، متجلية في الآتي:

– التقاطب الأمريكي-الأمريكي: حيث ازداد هذا التقاطب حدة، بين داعٍ إلى الاهتمام بالداخل الأمريكي وإعطائه الأولوية، وبين سياسات أخرى مصلحتها في التدخل في شؤون الدول واستعمارها والاستفادة من تناقضاتها التناحرية. يزعم الرأي الأول أن أمريكا خسرت في مختلف تدخلاتها العسكرية الخارجية، وهي اليوم تتكبد نتائج ذلك بانسحابها المهين من أفغانستان في نظره. إن القوة الواقعية لهذا الرأي هي التي دفعت بنقيضه إلى تبني بعض مواقفه، والانسحاب من بعض المناطق مهما كانت الصورة المهينة لذلك.

– الانسحاب من منطقة حساسة: فليس سهلا أن تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية من دولة إقليمها محدود في بعضه من ثلاث قوى مناقضة للسياسات الأمريكية، هي الصين وروسيا وإيران. إن هذا الانسحاب يدل على انهزام الاستراتيجية الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، والبحث عن أخرى قد يكتب لها النجاح وقد لا يكتب.

– العجز أمام الأسلوب الطالباني في الحرب: بعد سقوط حكم طالبان، فرت هذه الأخيرة إلى المناطق الوعرة والجبلية، وانتقلت من أسلوب الحرب المباشرة إلى أسلوب حرب العصابات، حيث المداهمات الليلية وعمليات الكر والفر، ما وفر لطابان إمكانية الحفاظ على جنودها وعدتها والظفر بالذخيرة الحربية الأمريكية في أهداف عديدة، مع إلحاق خسائر بالطرف الأمريكي.

– الخسائر العسكرية: فقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية، في حربها مع طالبان، أكثر من 2500 جندي، منذ عام 2001. ولم توقف طالبان هجماتها إلا بعد التوصل إلى نتائج لتفاوضها مع الطرف الأمريكي، إذ أنها كانت تباغت قواته طيلة فترات التفاوض كأسلوب ضغط على عدو لا يريد أن يفقد الكثير من قواته.

– طريقة الانسحاب: فقد كانت هذه الطريقة جد مهينة، سريعة ومرتجلة احتراما للموعد الذي تم الاتفاق عليه مع طالبان، دون إعداد وتنسيق جيد مع الحلفاء ما خلق ارتباكا في عملية إجلاء مختلف القوات (حتى تدخلت دولة خليجية لتسهيل عملية إجلاء الأستراليين والفرنسيين… الخ).

– الجلوس إلى طاولة الحوار مع طالبان: القبول بفتح قنوات الحوار، وبوساطة قطرية، مع “طالبان”، في حد ذاته انهزام واضح. فليس من السهل أن تدير الولايات المتحدة الأمريكية ظهرها لحلفائها في أفغانستان، وتتخذ قرار الحوار مع طالبان، بل والتوصل إلى حل للنزاع وتدبير المرحلة الانتقالية معها، دون اعتبار لمصالح أولئك الحلفاء في الداخل الأفغاني. وكيف لبعضهم ألا يعتبر هذه الخطوة تراجعا وقد تم التخلي عن الحليف لصالح العدو؟

– تغيير تكتيك الحرب: التحول من التواجد العسكري المباشر إلى تواجد مرتقب عن طرق أخرى، أبرزها الميليشيات الإرهابية التي قد تدرّب على مقربة من حدود بعض الدول القزمية التي فتحت باب اللجوء السياسي بلا شرط مؤخرا؛ هذا التحول، مهما طلب من حذر، فهو في حد ذاته انهزام. فالحرب المباشرة أكبر تأثيرا من حرب بالوكالة تقودها ميليشيات، لن تكون أفغانستان في مواجهتها وحيدة، بل روسيا والصين وإيران أيضا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *