بلدنا المغرب بلد مسلم يفتخر بانتمائه إلى أمة تدين الله عز وجل بشرائع الإسلام وأحكامه الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، ونصوص الشريعة الإسلامية في شموليتها ولله الحمد تشمل جميع مناحي الحياة؛ لأنها تؤطر علاقة العبد بربه سبحانه وبنفسه وبغيره (المجتمع)، ومما يبين ذلك -من بين الأدلة الكثيرة في الباب- قول النبي صلى الله عليه وسلم: “اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن”..
وعلماء الإسلام هم الذين كلفهم الله عز وجل بحمل راية هذا الدين والدفاع عنه، وهم من يتولى بيان أحكامه للناس لقوله تعالى: “فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ”، وهم من يدافعون عن حياضه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين”، فإذا استجد أمر ولم يكن له حكم مبين في الكتاب والسنة، فإنهم يجتهدون رأيهم ويعملون القواعد في إطار النصوص الشرعية..
وقد عاشت الأمة الإسلامية على التمسك بتحكيم نصوص الوحيين رغم كل الاختلاف والتمايز بين مذاهبها والفرق التي خرجت على أهل السنة والجماعة، وهي تؤمن بأن نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري.. تؤطره الأحكام الشرعية ولا يمكن التنصل من ذلك، إلى أن هجم المارد الإمبريالي الغربي بفكره العلماني الهدام على أراضي وأنظمة الأمة الإسلامية؛ فغير حكمها المستند على الإسلام واعتمد نظمه العلمانية، فانتشرت بذلك العديد من الانحرافات العقدية والأخلاقية والمنهجية، وقبل أن يخرج جيوشه من بلاد المسلمين هيأ المحتل أتباعا له في الفكر وعملاء ينفذون خططه ويستكملون مشاريعه ويعملون على الحفاظ على تكريس تبعية بلدانهم في كل المجالات والميادين.. (وهو ما رسمته اتفاقية إكس ليبان التي حصل بموجبها المغرب على الاستقلال المشروط)..
ومن أخطر وسائل حرب هؤلاء المستغربين من العلمانيين والحداثيين والليبراليين (عملاء الغرب) على قيم وتعاليم الإسلام بثّ الشبه وتحريف الكلام ونشر الأراجيف عن الإسلام بين ضعاف العلم والإيمان؛ مستغلين ضعف الوازع الديني في المجتمعات الإسلامية وجهل المسلمين بدينهم وبمحاسن شريعتهم، وهم في ذلك يسيرون على هدي أساتذتهم المستشرقين المغرضين، ويتبعون سنن المفكرين العرب المستغربين الذين يعملون على هدم أسس التدين في نفوس المسلمين بالخطاب المغلف باللهجة الشرعية.. وتعتبر وسائل الإعلام مجاري تصريف هذا الفكر المأفون..
ناهيك عن مزيد من ترسيم القوانين الوضعية المادية، ونشر صور الفجور والرذيلة، من خلال الدعوة إلى تقنين الدعارة وبيع الخمور وزراعة الحشيش، والمطالبة بتقنين الإجهاض، والسماح بحرية الاعتقاد والمجاهرة بالأكل في شهر رمضان جهارا نهارا (حركة مالي)، ومنح الشواذ من اللواطيين والسحاقيات الحق في ممارسة شذوذهم، وحرية اختيار الملابس ولو كانت فاضحة.
مع التضييق على الجانب العلمي الدعوي من خلال حصره في المؤسسات الدينية الرسمية، وسلخها من مهامها في تأطير الشأن العام، والقيام بدورها الديني الإصلاحي، ومن أكبر الخطوات الرامية إلى ذلك تبني وزير يسهر على حماية الأمن الروحي والشؤون الإسلامية للبلد لمشروع تساوقي بين الديني والسياسي.
فأين حماة الشريعة.. أعداء العلمانية؟
أليس الواجب هو التصدي لهذا الفكر وهذا التيار الهدام وفضح أصحابه وبيان عوار منهجهم بالخطب والدروس والمحاضرات في المساجد والنوادي والجامعات؛ وكتابة المقالات وإعداد البحوث العلمية المؤصلة المفيدة، وتأليف الكتب التي تهدم أسس العلمانية وتبين ظروف نشأتها ومخاطر تبنيها كمنظومة اجتماعية أو قانونية أو اقتصادية؟
أين حماة الهوية، فالقوم اعتلوا منابر الإعلام، واستأسدوا بدعم الغرب اللئام، لنشر فكرهم الهدام، وألغوا الشريعة من الاحتكام؟
أين المسؤولون عن الأمن الروحي والقوم عازمون على إبادة بقايا التعاليم الإسلامية من الحياة العامة، ونسف القيم والأحكام المؤطرة للأسرة المسلمة، وقتل الإحساس برفض المنكر وشيوع الفاحشة والرذائل حتى من النفوس؟
أين المنشغلين بهموم جانب من جوانب الدعوة؛ وهم في غياب تام عن مجالات أخرى أكثر خطورة وحساسية، أين الصادقون الغيورون عن متابعة الواقع ومجريات الساحة الوطنية والدولية ومواجهة العدو في أشرس المواقع والواجهات؛ الحرب القيمية والمفاهيمية مع العلمانيين؟
إن العلمانيين في بلداننا الإسلامية ما هم إلا امتداد للثقافة الغربية العلمانية والليبرالية والشيوعية.. وهم وافد غير مرغوب فيه، استأسد وتحكم في العديد من الوسائل المؤثرة ومراكز القرار والسلطة، يعمل دون كلل ولا ملل في خدمة مشروعه مستخدما كافة الوسائل التي تطلها يده، فهل سيسمح له حماة الهوية والصادقون من أبناء الأمة الإسلامية بتدنيس قداسة شرعنا الحنيف وتخريب بنيانه المتماسك؟