ذكر الشيخ مصطفى باحو أن رفيقي تكلم في حق علي -رضي الله عنه- بكلام لا يرضاه الله ورسوله ولا علي بن أبي طالب، فادعى أنه: لم يرد في فضل أحد من الصحابة بما فيهم كبار الصحابة ما ورد في فضل علي رضي الله عنه. وأنه خُص بمناقب دون غيره من سائر الناس بما فيهم كبراء الصحابة وبما فيهم فضلاء الصحابة.
وأن النبي ذكر حديث الموالاة “من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ” في مجمع عظيم في أواخر حياته وأنه يجب على المؤمنين موالاته ولم يذكر لا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان. ولكن خصَّ عليا بالذكر.
وتساءل لماذا خص عليا بالذكر في هذا المجمع دون باقي الصحابة؟
وطلب منا أن نتأمل في هذا السؤال.
وضعف ما أجاب به بعض أهل السنة على هذا؛ واختار أن النبي صلى الله عليه وسلم قرُب موعد موته فلذلك أكد على أن يوصي أصحابه بمثل هذه الوصايا في أهل بيته عموما وفي علي بن أبي طالب خصوصا.
وأنه جعله مركز الموالاة ومركز المعاداة. ويدور عليه الحب ويدور عليه البغض. وهو ما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم لغيره.
ولهذا يجب أن يكون له من الحب والموالاة ما ليس لغيره، ويجب إسقاط حديث “اللهم وال من والاه وعاد من عاداه” وغيرها من الأحاديث على من خاصمه كالخوارج ومعاوية ومن كان معه من الصحابة.
وأن عليا رضي الله عنه ليس شخصية عادية، بل كان يُعرف المنافق من غير المنافق بعلي بن أبي طالب، وأن كلما ثبت من الفضل لهارون عليه السلام ثبت لعلي من كونه أخا لموسى وكونه وزيرا له وكونه أقرب الناس إليه من أهله وكونه استخلفه حين ذهب وكونه أعلم الناس بعده، إلا النبوة، وحتى النبوة فقد اقترب كثيرا من هذه المرتبة بل هو في الدرجات التي قبلها مباشرة بحيث أنه يشم روائح النبوة وعليه لوائح النبوة وعليه أنوار النبوة.
النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرع حينما يذكر حديث الموالاة فهو يضع منزلة علي وسط هذا الدين. لما كانت موالاة الله وموالاة نبيه متعلقة بالولاء لهذا الرجل إذن هذا الرجل في هذا الدين وَزْنُه خطير ووزنه عظيم وشأنه كبير. هكذا قال. وأنه كلما قرب موعد وفاة النبي إلا وعظُم الفضل إلا وعظُمت المناقب (الشهادة بالحب في خيبر حديث المنزلة في تبوك حديث الموالاة عند الرجوع من حجة الوداع).
وأن بعض المفسرين ذكروا أن سبب نزول قوله تعالى {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} حديث الموالاة، يشير إلى أن موالاة علي مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغه. بل جعل النبي الموالاة فيه كالموالاة في الله والمعاداة فيه كالمعاداة في الله. وذكر أشياء أخرى كثيرة.
وهذا غلو خطير حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منه. ومركز الموالاة والمعاداة هو الله ورسوله وعقائد الإسلام وتشريعاته، ويوالى الأفراد بحسب إقامتهم للشريعة من عدم ذلك. وعلي رضي الله عنه ممن تجب موالاته موالاة شرعية لا غلو فيها. وهكذا كل الصحابة. وقد أمرنا الله بالموالاة وحذرنا من الغلو.
والرافضة ومن شايعهم والوا عليا وغلوا حتى نسبوا له عظائم. وهكذا فعل النصارى في حق عيسى. وما رأيك في قوله صلى الله عليه وسلم: الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله. رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين كذلك: آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار. وعند مسلم: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر.
قال ابن حجر في فتح الباري (1/63): بعد أن ذكر هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها وذكر حديث علي: “لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق” قال: وهذا جارٍ باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام لما لهم من حسن الغناء في الدين.
قال صاحب المفهم (أي: القرطبي): وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع مِن بعضهم بُغضٌ فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة، ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد، والله أعلم. انتهى كلامه.
فالصحابة جميعا لا يواليهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق وليس أمرا خاصا بعلي. ولا يغلو فيهم إلا مبتدع ضال. وإياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام. رواه النسائي (5/3057) وأحمد (1/215-347) وغيرهما بسند صحيح.
وأولى الناس بالخلافة هو ما أجمع عليه الصحابة وتبعهم علماء الأمة عليه هو أبو بكر ثم عمر.
والثناء على علي رضي الله عنه بما هو أهله ومحبته والذب عنه وبغض وتبديع من تكلم فيه بسوء لا يدفعنا إلى الغلو فيه.
وقول أهل السنة أعدل الأقوال في آل البيت فلاهم جفوهم وانتقصوهم كما فعل النواصب، ولا هُم غلوا فيهم ورفعوهم أكبر من منزلتهم وجعلوا لهم قداسة ما، كما فعل الروافض. بل هم وسط بين الغالي والجافي. فاعترفوا بفضلهم وحفظوا حق قرابتهم كما أمر الله ورسوله.