الإنسان المتصل بالمادة بطرق صحيحة يحصل على معرفة مادية شرعية والباحث فيها خارج إطار الشرعية يحصل على معرفة سفاحية

يجب الاعتراف بأن اختلاف وتناقض المناهج وليد تناقض الإيديولوجيات المرتبطة بتنوع أهواء المنظرين، وهو ما اعـترف بـه P.Georrge في معرض تساؤله عن إمكانية تحرر البحث العلمي من أي تبن عقائدي حيث قال: “بالطبع إن القضية في النهاية هي قضية عقائدية أو بالأحرى قضية تبشير، والجغرافي يرغب في أن يكون نافعا، فهو يشعر بدوره الإنساني، ويشعر في الآن عينه برغبة للإشتراك في السلطة ودوره يبرر رغبته” .
“وعليه بات الإفصاح عن الخلفية الفلسفية للدارس؛ شرطا من شروط البحث في الجغرافيا، كما في باقي العلوم الإنسانية، فباستثناء الماركسيين الذين يتحركون ضمن نظرية معلومة، لا يكلف أحد نفسه بشرح مرجعه الفلسفي وتبريره” .
هذا الواقع الإبستمولوجي؛ من أوضح الأدلة على أن “نظرية العلوم الاجتماعية التي تتضمنها المناهج الدراسية الحديثة؛ نظرية مغلوطة وناقصة وقائمة على المفهوم المادي؛ الذي لا يؤمن بالأديان المنزلة ولا بالقيم الأخلاقية المرتبطة بالدين” .
لذلك يخلص الباحثون إلى القول بأن “القصور الإبستمولوجي للعلوم الإنسانية سبب من الأسباب الرئيسية في أزمة الحضارة المعاصرة” ، “معنى ذلك أنه لا يمكن الأخذ بهذه العلوم بحذافيرها كما أسسها الغرب، بل من حقنا أن نعيد النظر فيها لنصهرها من جديد ونفرغها في القالب العقائدي الذي نرضاه” .
خاصة وأن التقسيم الإبستمولوجي لمراحل المعرفة، كما يروجه الفكر الغربي، تقسيم إلى مرحلتين: المعرفة الأسطورية الدينية الميتافيزيقية والمعرفة التجريبية الموضوعية. تقسيم يجعل من حق كل مسلم أن يتساءل على لسان أحد الباحثين: “هل كل الأديان مرحلة معرفية بدائية محكوم عليها بالتجاوز؟ وهل المعارف العلمية المعاصرة سالمة من الدوافع الدينية؟” .
بل أكد نفس الباحث؛ أنه من حقه أن ينسف هذه القسمة للمعارف المعاصرة من أساسها، مرتكزا على الحديث النبوي الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكـاية عن الاسراء والمعراج: “…فَأُتِيتُ بِثَلاَثَةِ أَقْدَاحٍ: قَدَحٌ فِيهِ لَبَنٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ عَسَلٌ، وَقَدَحٌ فِيهِ خَمْرٌ، فَأَخَذْتُ الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ فَشَرِبْتُ، فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ الفِطْرَةَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ” ، فقسم المعارف المعاصرة إلى ثلاثة أقسام:
“معرفة اللبن: معرفة حقيقية صافية وكلية، لأن اللبن رمز الفطرة وغذاء كامل للطفل رمز الفطرة، أدخل في هذا القسم كل المعارف المرتكزة على القرآن والسنة.
معرفة الخمر: معرفة وهمية، أدخل فيها كل المعارف النظرية التي تخوض في العلوم الانسانية والمعتمدة في تحليلاتها على الفكر.
المعرفة التجسسية: معرفة سفاحية، أدخل في هذا القسم كل العلوم الفيزيائية والكيماوية والبيولوجية والجيولوجية، حيث شبه أصحابها كمن يتجسس على قوم لا يعرف لغتهم، يقول:
“فالمادة قد احتجبت عن الإنسان بأمر خالقها، ولا يجوز أن يزول الحجاب بين الإنسان والمادة إلا بطرق شرعية، وكل من رفع حجاب المادة بسبيل غير شرعي كان زانيا بالمادة…
فالإنسان الذي يتصل بالمادة بطرق الحق يحصل على معرفة مادية شرعية: مولود حلال يرضع لبن المادة… والإنسان الباحث في المادة بطرق التجسس وهتك الحجاب خارج الإطار الشرعي، يحصل على معرفة سفاحية: مولود حرام ينسب في حقيقته المادية إلى أمه المادة ومنها يرضع فطرته ولا يلحق بنسب أبيه المتجسس الهاتك لحرمة المادة” .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *