لماذا اخترنا الملف؟

لما أنزل الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بتبليغ هذا الدين للعالمين فقال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ”، “تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرا”، “إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ”، وهكذا انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر وبلَّغ الكفار خارج جزيرة العرب بدين الله وأرسل الرسائل إلى كسرى وقيصر، وأرسل أصحابه إلى النجاشي في الحبشة، وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام انطلق الصحابة للدعوة لهذا الدين، ففتحت فارس والروم ومصر والمغرب، ووصلت فتوحات المسلمين في عهد الصحابة إلى أذربيجان وأرمينيا، وانطلق المدّ الإسلامي وتغيرت دول ومجتمعات كثيرة.

لقد رأى غير المسلمين آنذاك من العدل والرحمة في دين الإسلام ما جعلهم يدخلون فيه أفواجاً، ومضى الزمن على هذا الأمر فترة طويلة حتى دبَّ الضعف في الأمة وتراجعت، وبدأ غيرها يغزوها بعد أن كانت هي تفتح غيرها.
المسلمون لما فتحوا الأمصار ودخلوها وهم الفاتحون وعمروها بالإسلام ورتبوا الأئمة والقضاة والدعاة وغير ذلك، وجدوا عند الذين فتحوا بلادهم مسائل كثيرة مفيدة، فأخذوا كل شيء مفيد في الاقتصاد في العمران في البنيان في الإدارة في أمور الزراعة، حتى استفادوا مما عندهم من أساليب الحرب للجهاد في سبيل الله، فقد استخدم النبي صلى الله عليه والسلام المنجنيق في حصار الطائف، هذه كانت استفادة وانفتاحا على ما عند الآخرين من علم ومعرفة.
لكن لننظر في المقابل ماذا فعل نصارى إسبانيا والمغول الوثنيون حين غزوا بلاد المسلمين:
لما دخل الصليبيون قرطبة طردوا أهلها وأحرقوا الكتب ودمروا المكتبات الإسلامية، حتى قال أحد المستشرقين الإسبان: “إن الإسبان عندما استولوا على قرطبة أحرقوا في يوم واحد نحو سبعين خزانة كتب، تحوي أكثر من مليون وخمسين ألف مجلد”، أما المغول الوثنيون فحين دخلوا بغداد ألقوا الكتب في نهر دجلة وتحولت مياه النهر إلى سواد من الحبر ثلاثة أيام متوالية.
والآن التاريخ يعيد نفسه، لما دخل الصليبيون بغداد أعادوا الكرة نفسها فأحرقوا مخطوطات لعلماء مسلمين في مكتبات بغداد.
المسلم الحق لا مشكلة لديه في معرفة الآخر والانفتاح عليه؛ لهدايته إلى الحق أولاً، والاستفادة مما لديه من تقدم علمي ودنيوي، ولكن المروجون لهذا المصطلح يريدون بالانفتاح شيئاًَ آخر، هو الصدّ عن التمسك بدين الله وقبول ضلالات الآخرين تحت مسمى الانفتاح والتحذير من الانغلاق والتقوقع.
لم يعد الغرب الآن يحتاج إلى بذل كثير من الجهد والعناء، ما عادوا يعتمدون على أن نرسل إليهم أولادنا كي يسمموا أفكارهم ويعيدوهم إلينا وقد دجّنوا وتنكروا لدينهم وهويتهم وأمتهم، ما عادوا يعتمدون أساسا على جهود المنصِّرين الذين يجوبون بلاد العالم الإسلامي، ما عادوا يحتاجون كثيراً إلى سياسة الدس والإخفاء لتحقيق مبتغاهم داخل ديار المسلمين، لقد صار لديهم كافة الوسائل لتحقيق ذلك بأقل جهد وأبخس تكلفة.
إننا وللأسف الشديد أخذنا الجانب السلبي لمعنى الانفتاح، قلدنا الغرب في العري واتباع آخر صيحات الموضة، وقبلنا دخول أنماط استهلاكية جديدة عبر الغزو الاقتصادي وحرية التجارة وثورة الاتصالات وانتشارها..
إن مصطلح الانفتاح من المصطلحات المطاطة التي يعتريها الغموض والضبابية، وهذا الغموض أدى إلى استعمال هذا المصطلح من اتجاهات متعددة لا تتفق عقائديا وفكرياً مع كثير من قضايانا.
من هذا المنطلق ارتأت جريدة السبيل فتح ملف في الموضوع بغية إلقاء الضوء على بعض جوانبه.
والله الموفق لسواء السبيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *