العام القادم يمر قرنٌ بالتمام والكمال على اتفاقية سايكس- بيكو السرية التي مهدت لخريطة الشرق الأوسط الحالية، ومع حلول هذه الذكرى، تشير الدلائل والوقائع على الأرض، خاصةً أحداث العقد الأخير، إلى أن هذه الخريطة الهشة أوشكت على السقوط، ما يدهش ويزعج في آنٍ واحد هي تلك الخفة التي يتعامل بها مع تلك المصيبة.
فوفق “ياسر نجم” الباحث في الشأن السياسي فإن القارئ إذا جرب أن ينقب على الإنترنت عن كتابات باللغة العربية تتناول خطط تقسيم الشرق الأوسط، سيجد أنها كلها تقريبًا عبارة عن نسخة كربونية من منشور يصف برنارد لويس بـ”أعدى أعداء الإسلام على الأرض”، ويتضمن خليطًا فريدًا من الحقائق والخرافات بشأن الرجل، ثم تشكيلة من خرائطه المزعومة لتفتيت “العالم الإسلامي”، تلك الخرائط لن تجد لها أي أصل في المراجع الموثوق بها، ومما يثبت أنها مختلقة، اشتمالها على خريطة تقسم مصر لـ4 دويلات، بينما الثابت عن برنارد لويس أنه استثنى مصر تحديدًا من احتمالات التقسيم.
صاحب بحث “سايكس بيكو 2016 خرائط تقسيم المنطقة بين الواقع والأساطير”، يرى أن بعض الإسلاميين يهللون للسقوط المنتظر لسايكس بيكو، على أساس أن تمزيق الخريطة الحالية سيؤدي إلى خريطة (وحدة) أو (خلافة) إسلامية وانهيار مدوٍ للنظام العالمي المعاصر. والحقيقة أن العكس تمامًا هو الصحيح: نحن نتأهب الآن لسايكس بيكو جديدة ستفتت المُفَتت وتقسم المنقسم وترسم حدودًا جديدة في قلب الحدود القديمة، ما لم تتمخض الثورات العربية عن قيادات ونخب ووعي شعبي يدير دفة التاريخ إلى وجهة مغايرة تمامًا لما تندفع إليه المقدمات بجنون.
أما القوميين فاعتبرهم الباحث ياسر من كوكبٍ آخر، مع أن القضية بالنسبة لهم (من المفترض) مثل الماء للسمك، واليساريون الذين يثيرون المسألة على صفحات السياسة العالمية ليسوا من يساريي بلادنا، وإنما ينتمون للنصف الغربي من الكرة الأرضية، وهم يعون تمامًا أن الموضوع رأس حربة لليمين المتطرف المتوغل في ردهات الحكم الأمريكية والأوروبية.
أما الليبراليون وخاصة المنتمون منهم للنظم الحاكمة القديمة في الوطن العربي، فوفق الباحث نفسه فقد ظنوا أن إغلاق حدودهم على أنفسهم، ورفع شعارات شوفينية من نوعية: مصر أولًا، وسوريا أولًا، والخليج أولًا… هو المبدأ الاستراتيجي الأمثل لسياسات بلادهم، حتى فوجئوا أخيرًا أن هذا المبدأ عينه هو الذي سيدير الدائرة عليهم…
ودعا الباحث “ياسر نجم” في بحثه إلى اعتماد الأسس العلمية المعرفية للخرائط، والتحليل المنطقي للمخططات بقدر الإمكان، ثم مضاهاة تأثير ذلك على الواقع السياسي كما نراه ونعايشه جميعًا.
وحتى يوسع الدائرة ويوفي البحث حقه حاول الباحث استقصاء مخططات التقسيم التي تم الاعلان عنها، والمقارنة بينها. وسنوردها في هذا الملف حسب الترتيب الزمني نبذة عن مخططات التفتيت التي تهدف إلى إعادة رسم خريطة العالم الإسلامي.