هل يستطيع التيار “الحداثي” فرض وجهة نظره في تعديل مدونة الأسرة؟ (م.ز)

لم يخرج موضوع قانون الأسرة عن إطاره السابق، وهو الإطار الذي أفرزه سياق “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”.. حيث فاعلية ثلاثة أطراف، المؤسسة الملكية التي تمارس التحكيم وتحسم القرار، والتيار الإسلامي المحافظ الذي يطالب بالحفاظ على إسلامية المدونة، والتيار الحداثي الذي يدعو إلى تعديلها لتواكب تقدم العصر.

لقد أعلن الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي عن “خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، بتاريخ 19 مارس 1999، في خطاب ألقاه أمام الرئيس العام المساعد للبنك الدولي آنذاك.

وقد أثارت الخطة ردود فعل غاضبة لدى الإسلاميين وفئات واسعة من الشعب المغربي، اضطرت للدفاع عن وجهة نظرها بالخروج للشارع في مسيرة حاشدة بالدار البيضاء، قدر عدد الحاضرين فيها بمليوني مشارك خرجوا لرفض عدد من بنود الخطة من قبيل “إلغاء الولاية في الزواج، حصر الطلاق بيد القاضي، إلغاء تعدد الزوجات، اقتسام الملكية بين الزوج وزوجته كنتيجة للطلاق…”.

صحيح أن الخطة أعدت وقدمت في حكومة يرأسها حزب يساري هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ويتحمل مسؤولية كتابتها المعنية بالموضوع -التي أعدت الخطة- قيادي يساري عن حزب التقدم والاشتراكية، هو سعيد السعدي، كاتب الدولة المكلف بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة.. كل هذا صحيح إلا أن تقديمها أمام مسؤول رفيع المستوى في البنك الدولي لا يخلو من دلالة، فهناك إشارة إلى شروط وإملاءات ربما يفرضها صندوق النقد الدولي قبل تقديم القروض و”المساعدات”.

إنه ضغط دولي غربي تشرف عليه مؤسسات اقتصادية ونقدية تمارس الاختراق والتوجيه الناعم عن طريق قدراتها المالية.. الحداثيون في هذه الخطة، لا يخرجون عن إطارين: إما يروجون لخطاب حداثي يظهرون من خلاله انفتاح المغرب وتعدد المرجعيات فيه وأنهم يتواجدون كغيرهم والحسم للأغلبية وقرار الدولة، وإما يتحركون حقا في أجندة أممية أجنبية تمارس الضغط على المغرب سواء تحقق وعيهم بذلك أم لم يتحقق.

المرجعية في المغرب واضحة وقد حددها رئيس الدولة في خطابه السامي بقوله “لا أحل حراما ولا أحرم حلالا”.. وهي نفس المرجعية التي يؤكدها عدد من الفقهاء رسميين وغير رسميين.. ومهما كانت الاجتهادات والمراجعات، فمن المرجح ألا تخرج المدونة عن خط الشريعة الإسلامية.. فلن تخالف حكما مشهورا إلا لتعتبر حكما أقل منه شهرة، ولن تخالف قولا في المذهب إلا لتخرج غيره على أصوله، ولن تخرج عن المذهب إلا لتستفيد من مذهب آخر من المذاهب الأربعة..

ولا يعني هذا أن التحديات منعدمة، بل إن موجة جديدة من الضغوط الحقوقية تفرض نفسها على الأسرة المغربية، وهي المتمثلة في: توصيات اجتماع “بكين + 25” (2020) وتوصيات لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (2022) وتوصيات الفريق العامل المعني بالاستعراض الدولي الشامل (2023)… وليست هذه الضغوط محدودة بحدود النقاشات الفكرية والأخلاقية والفلسفية، وإنما تستهدف مصالح بعينها واقتصادات في مختلف الدول..

النقاش إذن ليس نقاش هل ينجح التيار الحداثي في مهمته؟ السؤال مطروح على مدى قدرة المرجعية الأممية (العولمية) على تحريك مختلف أوراقها لفرض خطتها في المغرب، ومن ثم مدى قدرة المغرب على تجاوز هذا الضغط وتخطي هذه المرحلة ريثما يخرج العالم من نظام دولي إلى آخر.. الأولوية لحفظ الأسرة المغربية وهويتها الوجودية والتاريخية.. شرطا للاستقرار والبقاء واكتساب مناعة في وجه الضغوط والاختراقات الأجنبية.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *