معركة «إسلي» 1844م وبداية الانهيار لم يهزم المسلمين إلا المسلمون

كانت معركة «إسلي» حامية وشديدة العنف بين المغاربة الكثيري العدد بقيادة ولي العهد محمد الرابع بن عبد الرحمن، وبين الفرنسيين الذين كان عددهم ستة آلاف بقيادة الجنرال بوجو، ولكن الخطير في هذه الحرب أن المغاربة خاضوها بأجسامهم ولم يخوضوها بعقولهم.
معركة إسلي هي معركة قامت بين المغرب وفرنسا في 14من غشت 1844م، بسبب مساعدة السلطان المغربي أبو الفضل عبد الرحمن بن هشام المجاهدين الجزائريين ضد فرنسا واحتضانه للأمير عبد القادر، الشيء الذي دفع الفرنسين إلى مهاجمة المغرب عن طريق ضرب ميناء طنجة حيث أسقطت ما يزيد عن 155 قتيل ثم ميناء تطوان ثم ميناء أصيلة، وانتهت المعركة بانتصار الفرنسيين وفرضهم شروطا قاسية على المغرب. تمثلت هذه الشروط في اقتطاع فرنسا لبعض الأراضي المغربية وفرضها غرامة مالية على المغرب ومنعها المغاربة من تقديم الدعم للجزائر.
كانت هذه المعركة -معركة واد إسلي- حامية وشديدة العنف بين المغاربة الكثيري العدد بقيادة ولي العهد محمد الرابع بن عبد الرحمن، وبين الفرنسيين الذين كان عددهم ستة آلاف، قيل يمثلون 20% من الجيوش المغربية بقيادة الجنرال بوجو، ولكن الخطير في هذه الحرب أن المغاربة خاضوها بأجسامهم ولم يخوضوها بعقولهم.
قال صاحب الاستقصا واصفا أحداث الحرب: «لما تقارب الجيشان جعلت الفرسان تبرز من الصفوف كأنما تتعجل القتال، فأمر الخليفة بالسكينة والوقار والسير بسير الناس، ثم لما التقى الجمعان وانتشبت الحرب رصد العدو الخليفة وقصده بالرمي مرات عديدة حتى سقطت بُنْبَة -قذيفة- أمام حامل المظلة، وجمح فرسه به وكاد يسقط، ولما رأى الخليفة ذلك غير زيه بأن أسقط المظلة ودعا بفرس كميت فركبه ولبس طيلسانا آخر فاختفى حينئذ.
وكان المسلمون قد أحسنوا دفاع العدو وصدموه صدمة قوية برقت لهم بها بارقة وكانت خيلهم تنفر من صوت المدافع ولكنهم كانوا يقحمونها إقحاما وثبتوا في نحر العدو مقدار ساعة، ولما التفتوا إلى جهة الخليفة ولم يروه بسبب تغير زيه خشعت نفوسهم، وقال المرجفون إن الخليفة قد هلك فماج الناس بعضهم في بعض وتسابق الشراردة إلى المحلة فعمدوا إلى الخباء الذي فيه المال فانتهبوه وتقاتلوا عليه، وتبعهم غيرهم ممن كان الرعب قد ملك قلبه.
وجعل الناس يتسللون حتى ظهر الفشل في الجيش من كل جهة فتقدم بعض الحاشية إلى الخليفة وقال له: يا مولانا إن الناس قد انهزموا وهم الآن بالمحلة يقتل بعضهم بعضا، ويسلب بعضهم بعضا، فقال: يا سبحان الله، والتفت فرأى ما هاله من أمر الناس فرجع عوده على بدئه وانهزم من كان قد بقي معه عن آخرهم، وتبعهم العدو يرمي الكور والضوبلي من غير فترة، وثبت الله بعض الطبجية بالمحلة، ولكن سال الوادي فطم على القرى ونفذ أمر الله، ولم يهزم المسلمين إلا المسلمون كما رأيت.
ولما استولى العدو على المحلة فرَّ النهاب الذين كانوا بها وبقيت في يده بما فيها وكانت مصيبة عظيمة وفجيعة كبيرة لم تفجع الدولة الشريفة بمثلها وكان هذا الحادث العظيم في الساعة العاشرة من النهار منتصف شعبان سنة 1260هـ، ولما رجع المنهزمون تفرقوا شذر مذر وأهلك الناس العطش والجوع والتعب حتى كان نساء عرب آنكاد يستلبنهم كيف شئن».
لم يخض المغاربة هذه الحرب إلا بإقدامهم وشجاعتهم وحميتهم المعهودة، لكن بدون نظام ولا انتظام، ولا خطة حربية مدروسة، وطريقة قتالية عصرية، بل اعتمدوا على الأسلوب العتيق المتمثل في الكر والفر، باستعمالهم سلاح الفرسان، دون دعمه بسلاح المشاة الذي يحتل الأرض ويصمد فيها.
في نفس السياق كتب الجنرال بيجو في التقرير الذي وضعه حول معركة إيسلي بتاريخ 17 غشت 1944 2 شعبان 1260 ما يلي: «لقد كان العدو جريئا إلى أبعد الحدود، لكن عدم تماسك عناصره، جعل كل مجهوداته تذهب سدى، لقد كان أشجع أفراده يقتربون منا حتى يصبحوا في متناول أسلحتنا، فنقتلهم عن كثب.. ولم يعوزهم لإتمام عملهم إلا قوة متكاملة، وسلاح مشاة حسن التكوين يؤازر حركتهم الانتشارية..».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *