إن المتتبع لما تكتبه الأقلام الاستئصالية العلمانية في المغرب ليصاب بدهشة كبيرة، وينتابه شعور غريب.. شعور مزيج بين الحيرة والتساؤل عن الدافع لهذا النَّفس التحريري الغريب عن أخلاقيات وثوابت المغاربة.
فما الغرض يا ترى من هذه الكتابات العلمانية التي تجاهر بالعداء والحرب لبعض قضايا المسلمين كالقرآن الكريم و السنة النبوية وحجيتهما، وبعض الأحكام الواردة فيهما كالإرث والحجاب والهجوم على دور القرآن..؟؟
وهل صدور هذه الكتابات في هذا الوقت بالذات يندرج في إطار خدمة تأهيل الحقل الديني المتبنى رسميا في المغرب، أم هي حرب معلنة على الإسلام وشعائره وقيمه؟؟
لا يمكن للمجيب عن هذا السؤال أن يلامس الحقيقة إذا تناسى إحدى أهم المعطيات في هذا الباب وهي: أن العلمانيين لم يكونوا في يوم من الأيام مدافعين عن الإسلام ولا عن شعائره وشرائعه، وإن الدارس لتاريخهم ليجد رائحته تُزكم الأنوف جراء هجماتهم المتتالية على ثوابت الأمة والسعي لتضليلها والتشويش على عقيدتها، فلا جديد تحت شمس العلمانيين إلا على مستوى الأساليب.
أما دور القرآن التي يحاربها العلمانيون اليوم فإن لها دَوْرا بناء يُقر به العدو قبل الصديق، ومن ذلك أنها قامت بمحاربة فكر التطرف والغلو والتكفير بما عجزت عنه الجهات الرسمية العلمية والأمنية، بل قبل استيقاظ هذه الأخيرة في أعقاب أحداث الدار البيضاء الأليمة، وذلك بالدروس والمحاضرات والدورات والندوات.
وقد زعم بعض العلمانيين أن دور القرآن تنشر فكر الانغلاق والتطرف والكراهية مدعيا أنها توفر الزاد العقائدي والجيش الاحتياطي من المتشددين المستعدين للقتل والانتحار من أجل العقائد التدميرية.
كذا زعم، وأقول: يبدو أن الاستئصاليين يظنون أن القراء سيصدقون كل مزاعمهم وافتراءاتهم التي يقدمونها، دون أدنى بينة ولا حجة ولا برهان، فيتكلمون وكأن كلامهم قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
لقد مضى هذا الطرح وعفا عليه الزمان، وقد أشرقت شمس المعرفة وأسفر الصبح لذي عينين، ولم يعد هذا الأسلوب مجديا، فإما أن تُقنعوا القراء بأدلة وبراهين وإما:
فدع عنك الكتابة لست منها ——ولو سودت وجهك بالمداد
إن من أبجديات العقيدة التي يتلقاها رواد دور القرآن، طاعة ولاة الأمور وعدم جواز الخروج عليهم لمعصية اقترفوها، أو مخالفة أظهروها، وعدم جواز استحلال دماء عصاة المسلمين، ولا تكفيرهم بمطلق الكبائر وعدم شرعية قتال الذمي والمعاهد والمستأمن، وقد تعلموا ذلك بحمد الله من القرآن الكريم والسنة الغراء وأقوال علماء السلف.
أما لجوء العلمانيين لأمثلة خارجية لإدانة دور القرآن المغربية والحكم عليها بالتكفير والتطرف والإرهاب، فلا يفسره إلا عجزهم عن أن يأتوا بأمثلة واقعية مغربية لأنهم بحمد الله لن يجدوا، ولو ادعوا ذلك لكذَّبهم الناس جميعا، ولن يستطيعوا أن يأتوا باسم لأستاذ من أساتذة دور القرآن انتحر، أو قتل غيره من المواطنين، أو من الأجانب أو حرض على العنف.
أما استدلالههم بطلبة المسجد الأحمر فمن أبطل الباطل إذ لو كان منهج دور القرآن كمنهج هؤلاء الطلبة لما رأينا هذا الثبات والاتزان والهدوء إزاء قرار السلطة القاضي بإغلاق دور القرآن والواقع خير شاهد.
وأما هجمات القاعدة في اليمن فلن يُسعف العلمانيين الاستدلال بها لأن موقفنا من منهج القاعدة موقف ظاهر وبيِّن وهو أشهر من نار على علم، ولقد عانى المسؤولون عن دور القرآن الأمرَّين في أعقاب أحداث الحادي عشر من شتنبر لأنهم كانوا يصرحون وبملء أفواهم: إن تلك الأحداث غير جائزة وإنها مخالفة لنصوص الشرع… وإنها إن لم تعد على المسلمين بالضرر فلن تعود عليهم بالنفع… فمن متهم لهم آنذاك بالعمالة ومن متهم بالخيانة وواصف لهم بالإرجاء.
كما أن بعض الجمعيات المفترى عليها عملت على نشر كتاب “الدامغة” وهو رد علمي ناسف لشبهات القاعدة و ابن لادن. فأين الإنصاف؟؟
إن تاريخ دور القرآن في المغرب تاريخ نظيف لم تسجل فيه بحمد الله أي مخالفة للأمن العام، أو تحريض على العنف أو استقدام للأسلحة من الخارج، أو تأطير للشباب في خلايا بقصد الإطاحة بالنظام.. ولعل العلمانيين قد نسوا أو تناسوا تاريخهم المخزي في المغرب، فلعلي أذكرههم ببعض صفحاته السوداء، ليعرف القارئ الكريم من أحق بوصف الإرهاب والتحريض على العنف والدموية هل هي دور القرآن والقائمون عليها أم العلمانيون؟؟
1- لا يخفى على الدارسين ما تجرعه المغرب من غُصص جراء الفكر العلماني في القرن الماضي حيث سلكوا أكثر من مسلك، وحاولوا أكثر من مرة زعزعة استقرار المغرب، والإجهاز على نظام الحكمفيه، ومع أن العلمانيين الآن يحاولون التظاهر بطي صفحة الماضي والتوبة مما اقترفوه من جرائم في حق المغرب وشعبه، إلا أن التعبير يخون بعضهم أحيانا ليظهر حنينهم لتلك الصفحات الدموية السوداء من تاريخهم؛ يقول عبد الرحمن بن عمرو: “…فأحداث 1973، وليَنْعتها من شاء بأي نعت من النعوت، لا يمكن اعتبارها إلا جزءا وحلقة من حلقات نضالات الشعب المغربي عبر تاريخه الكفاحي والتي ما زالت مستمرة ضد الظلم والاستبداد…”
والعجيب أن صاحب الكتاب المقدّمِ له: محمد لومة اختار له عنوان”الثورة الموؤودة”، ألا يعتبر هذا الوصف محاولة من الكاتب لإضفاء الشرعية على تلك الثورة الدموية المأساوية الإرهابية السوداء، وتصوير المواجهين لها والمحبطين لها في صورة الظَلَمَة المعتدين، وهم منها بمنزلة الوائد من الموؤودة، التي قُتلت بغير ذنب ولا جريرة.
2- من الذي سرب الأسلحة والمتفجرات للوطن العزيز بقصد زعزعة أمنه؟؟ هل هم القائمون على دور القرآن أم الاستئصاليون العلمانيون؟؟
3- من الذي كان يرسل مجموعات الشباب إلى الخارج لتلقي التدريبات العسكرية من أجل الرجوع والانقلاب على النظام؟؟ هل هم القائمون على دور القرآن أم العلمانيون؟؟
4- ومن الذي خطط لشحن الأسلحة من الخارج وتسريب المجموعات المسلحة لأرض الوطن ومهاجمة قوات الأمن والجيش… وتحريض الناس على العصيان المدني والسعي للاغتيالات وتفجير المؤسسات في الرباط والدار البيضاء ووجدة والناضور…وتوزيع المناشير في ربوع المغرب للتحريض على الثورة؟؟ هل هم أصحاب دور القرآن أم العلمانيون؟؟
5- من قتل “المناضي إبراهيم” بإطلاق ثلاث رصاصات عليه بمراكش في 6يوليوز 1972؟؟ ومن قتل “ميلود الغربي” بوجدة بتاريخ 27 أبريل 1972 ومن قتل “ووليت بومديان” بوجدة في 23 غشت 1972…وغيرهم؟ أليس العلمانيون؟
6- ومن الذي كان شعاره في ستينيات القرن الماضي: “لا علاج لهذا النظام سوى أن يختفي وينمحي” هل هم السلفيون أم العلمانيون؟؟
7- و من قاد انتفاضة 1965 غيرهم ؟؟
هذه أمثلة يسيرة مندرجة في إطار محاولات انقلابية فاشلة، لعلها توقظ النائمين و تنبه الغافلين، ولو أردنا تتبع ذلك لما أجزأت صفحات هذه الجريدة كلها واللبيب تكفيه إشارة.