“الديانة الإبراهيمية” الجديدة.. الفكرة والهدف

 

“الإبراهيمية” مصطلح فضفاض وغامض ذو حمولة دينية، وآخر من دعا إليه وتبناه، وسعى إلى فرضه كأمر واقع، هو صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب اليهودي جاريد كوشنر، عراب اتفاقات التطبيع باسم “أبراهام”، في إشارة لنبي الله إبراهيم عليه السلام، كما ينطق بالعبرية.

ويقصد بـ”الديانة الإبراهيمية” مجموع الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام، ويحاول بعضهم إدخال مذاهب فاسدة أخرى مثل السامرية والبهائية والدرزية والأيزيدية، لجعلهم جزءا من أتباع هذه الديانة الإبراهيمية! تكريسا لطمس الهوية الإسلامية.

ومن الممكن أن نرجع الإرهاصات الأولى لظهور ما يصطلح عليه ب”الديانة الإبراهيمية” إلى بداية القرن 19، حيث تم الترويج عام 1811، لما سمي “الميثاق الإبراهيمي” (The Abrahamic Covenant)، وهو ميثاق يجمع بين المؤمنين في الدول الغربية، ليصبح بعد أزيد من قرن اسم “إبراهام-إبراهيم” مصطلح بحثي لدى عدد من المؤرخين والمستشرقين في خمسينيات القرن العشرين.

ورسخ “لويس ماسينيون” المستشرق الفرنسي هذا المصطلح، في مقالة نشرها عام 1949، تحت عنوان “الصلوات الثلاث لإبراهيم، أب كل المؤمنين”، للتحول “الديانات الإبراهيمية” إلى حقل دراسات مستقلة بنفسها.

وفي تسعينيات القرن الماضي كانت نقطة التحول، حيث بدأ الترويج “للدين الإبراهيمي الجديد”، بتغطية أكاديمية من جامعة هارفارد وتحت “برنامج أبحاث دراسات الحرب والسلام” لتمرير خدعة الإبراهيمية على عدد من المثقفين المسلمين.

كما انتشرت في القرن  21في جميع ربوع العالم مراكز بحثية يكتنفها الغموض، وأطلقت على نفسها اسم “مراكز الدبلوماسية الروحية”، بتمويل ضخم من جهات العالمية وازنة، مثل: الإتحاد الأوروبي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والولايات المتحدة الأميركية.

وبعد أحداث 11 شتنبر 2001، وفي عز الحرب على “الإرهاب”، وحتى تكون الخدعة محبوكة للترويج “للديانة الإبراهيمية”، وحتى يتم قبول هذا المسخ بين المسلمين، تم ربطه بمستقبل العالم، وأن “السلام العالمي” سيتحقق بها، كمدخل جديد لحل النزاعات في العلاقات الدولية، وبدل عن نظرية “صدام الحضارات” لهنتنغتون، و”نهاية التاريخ” لفوكوياما.

وهذا ما أكده الأمريكي “جيمس روزينو” المنظر في السياسية والباحث في الشؤون الدولية، والذي يرى أن مستقبل العالم سيرتكز على السلام العالمي الذي سيتحقق عبر الديانات الإبراهيمية والعقائد المتداخلة، كمدخل جديد لحل النزاعات في العلاقات الدولية.

وقد تم صهر الأديان السماوية الثلاثة؛ الإسلام واليهودية والمسيحية، وصبها في قالب جديد اسمه “الديانة الإبراهيمية”، سعيا منهم لصياغة العلاقات الدولية على نهج جديد، بمفاهيم جديدة، كالأخوة الإنسانية، والتسامح العالمي، والمحبة، والوئام، والتسامح، زعما منهم أن الديانة الجديدة ستنشر السلم والسلام والأخوة، والتشارك الديني.

ويحاول ممثلون عن الديانات الثلاث من علماء وساسة ودبلوماسيين ومثقفون، الوصول إلى صياغة ميثاق تكون له القدسية الدينية، ووضعه كبديل عن المقدسات السماوية، وسيكون مؤسسا للمشترك الديني بين هذه الأديان وينحي الخلاف كما يزعمون ويروجون.

كما يستهدف دعاة “الديانة الإبراهيمية” القيادات الصوفية، لكونهم يعتبرونها الأكثر قربًا للتعامل مع الفكرة، والتقريب بين وجهات النظر على الأرض، ولنظرتهم إلى الصوفية باعتبارها لا تقتصر على الدين الإسلامي والمسلمين فقط، بل بنظرة شمولية تتوسع إلى باقي الديانات السماوية، لخلق بوتقة روحية قادرة على طرح مشترك يمكن من الجمع بين المريدين في مختلف بقاع الأرض.

بعدما ذكرنا، وما تم إنجازه من دراسات حول هذا المسخ الجديد، يظهر أن الهدف من “الديانة الإبراهيمية” هو القضاء على الوجود الفعلي للديانات الثلاثة، والإسلام هو المقصود الأول والأخير تحديدا باعتباره أكثر الأديان انتشارا وتأثيرا وتطبيقا ووجودا على أرض الواقع بخلاف الديانات المحرفة التي ألغت العلمانية ما بقية من رسمها، ورغم ما يتم الترويج له، من “كتابة دين جديد” واحد للعالم، تكون عناصره ومكوناته مستمدة من الأديان التي ألغيت، فالغرض هو هدم الدين والهوية الإسلامية، والقضاء عليهما تماما، وتعويضهما بالعلمانية، معللين ذلك بتغليب القيم المشتركة والقيم الكونية والديانة الإبراهيمية الجديدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *