ارتباط العربي بفلسطين أساسه الإسلام لا العروبة

لم تكن فلسطين تحتل مكانة مرموقة في حس العربي الجاهلي قبل الإسلام، وفي معظم الأحوال كان ينظر هذا العربي إلى الشام وضمنها فلسطين على أنها لا تزيد عن كونها إحدى مناطق الاستقرار والنشاط الاقتصادي التي كان يرتبط بها في رحلاته التجارية الموسمية.

ومع بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم نشأت مكانة مميزة في عقل وقلب العربي المسلم للشام عموماً ولفلسطين خصوصاً ولمدينة القدس بوجه أخص؛ وذلك من خلال إشارات قولية وعملية عديدة، تبدأ منذ ولادته صلى الله عليه وسلم عندما رأت أمه قصور الشام عند ولادته صلى الله عليه وسلم، ثم بعد بعثه صلى الله عليه وسلم بالنبوة كانت معجزة الإسراء إلى بيت المقدس والمعراج منه، وإمامة النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء في الصلاة فيه إحدى أكبر المعالم الواضحة في أهمية هذه البلاد، ثم كان بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى إلى الصلاة التي هي عماد دين المسلمين.
ثم تتوالى الإشارات التوجيهية لفضل هذه البقعة، وأهمية هذا الموطن فالمسجد الأقصى أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، والصلاة فيه تعدل 250 صلاة في غيره من المساجد عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي، وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح الشام وبيت المقدس أكثر من مرة، ودعا صلى الله عليه وسلم للشام وأهلها ونصح بسكنها، وفي فضل الشام والمسجد الأقصى، وما حوله وردت آيات قرآنية، وأحاديث نبوية عديدة.
قال تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ” الإسراء.
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، ولتدخلن الجنة من أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب” رواه الطبراني أنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة.
وعن ابن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق”، فقال ابن حوالة: خِرْ لي يا رسول الله، إن أدركت ذلك، فقال: “عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيَمَنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله”. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.
أما التحرك العملي لتحرير هذا الموطن الغالي من ربقة الشرك والكفر فقد كان بإنفاذ البعوث والسرايا العسكرية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى فتح بيت المقدس وفلسطين في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستدعى هذا الفتح دون غيره أن يذهب الخليفة بنفسه ليتسلم مفاتيح المدينة المقدسة، ويستلم معها أمانة محافظة المسلمين عليها.
إذن: فقد عرف العرب أهمية هذا الوطن بالإسلام، وبالإسلام وحده وليس بالعروبة، كانت قضية فلسطين قضية مقدسة، عرف هذا المعنى صلاح الدين الأيوبي عندما حررها مرة أخرى من براثن الصليبيين، ولم يكن صلاح الدين عربياً، بل كان كردياً، وعرف هذا المعنى العثمانيون الأتراك عندما حافظوا على الأمانة واستماتوا في الدفاع عنها حتى دفع السلطان عبد الحميد الثاني عرشه ثمناً لتمسكه بها وعدم التفريط فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *