هل استغلت بعض الجماعات الدين لتحقيق أهداف سياسية أو غير سياسية؟ (*) سليمان الخراشي

نعم استغلت بعض الأفراد وبعض الجماعات الدينَ لتحقيق أهداف دنيوية سياسية أو غير سياسية!
وقد ظل كثير منهم يفعل ذلك على مرّ التاريخ، ومع كل رسالات السماء. ولا نعرف كتاباً تطرَّق لهذه المشكلة وبيَّن أسبابها وأنواع مرتكبيها ونتائجها وحذر منها مثل كتاب الله تعالى.
فعلى الذين يتحدثون عن هذه المشكلة أن يعلموا أنهم لم يأتوا بجديد. إن هؤلاء يدعوننا لأن نترك ديننا؛ لأن بعض الناس استغله لأسباب سياسية.
ولو اتبعنا منطقهم هذا لتركنا بناء المساجد؛ لأن بعض المنافقين استغل بناءها لأسباب سياسية، فاتخذها: {ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْـمُؤْمِنِينَ وَإرْصَادًا لِّـمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ} (التوبة: 107).
وكانوا مع ذلك يحلفون بأنهم ما أرادوا إلا الحسنى؛ “وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ” (التوبة:107).
ولو اتبعناههم لتركنا الإنفاق في سبيل الله؛ لأن بعض الناس يتخذ ما ينفق مغرماً (أي غرامة) ويتربص بنا الدوائر، ولقررنا أن لا يكون لنا علماء؛ لأن بعض علماء السوء يستغل علمه لأغراض دنيوية: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 98).
وكما أن بعض الناس يستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية فيكون انحرافه بسبب سوء قصده، فإن آخرين ينحرفون بسبب سوء فهمهم وقلة علمهم، فيحاولون تحقيق بعض الأهداف السياسية بوسائل وطرق مخالفة لدين الله وتحريفاً له وفتنة للناس عنه؛ فهل نترك العمل السياسي على أساس ديني؛ لأن بعض الناس يسيء فهم الدين؟
ومما يؤخذ على كثير من الإسلاميين الذين اهتموا بالجانب السياسي في الإسلام -رغم جهودهم المشكورة- أنهم في المقابل هونوا أو قل اهتمامهم بالجانب العقدي والتربوي فيه؛ فغلبت السياسة عليهم حتى أنستهم مهمة الدعاة الأولى؛ وهي الدعوة إلى دين الله كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم؛ دون تحريف أو زيادة. وإنكار ما يخالفه من الشركيات والبدع.
بل -للأسف- وصل الحال ببعض المنخرطين في الهم السياسي من أبناء الإسلام أن رق دينهم، وكثرت تنازلاتهم ومداهناتهم للآخرين؛ حتى كادوا يستوون في أمرهم مع العلمانيين وغيرهم من المخالفين.
فلابد لعقلاء الأمة وذوي الرأي فيها أن يتنبهوا لهذا الأمر الخطير. ويعطوا كل مقام حقه؛ دون إفراط أو تفريط. والله الموفق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) انظر: ثقافة التلبيس؛ لسليمان الخراشي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *