القنب الهندي حقائق وغرائب طارق الحمودي

القنب الهندي أو le Cannabis أوMarejuana، نبات يحتوي على مادة مخدرة مركزة أكثر في عصارته الصمغية الموجود على أوراقه المعروفة اختصارا بـ”THC”، ويستعمل بطريقتين،إما بتدخين الأوراق المجففة، وتكون حينها نسبة المخدر فيها أقل، وإما بتدخين عجينة مصنوعة من هذا الصمغ، وهي الحالة التي يسوقه بها تجار المخدرات.

ترجع خطورة الحشيش إلى أن مادته المخدرة تنتشر في الدماغ كله، وتدخله في حالة شلل عامة، هلوسة وإحساس بنشوة كاذبة، ومع الوقت يصير المتعاطي مدمنا، حين تعتاد الموصلات العصبية عليه.

كان هذا النوع من المخدر معروفا في الشرق، في بلاد الصين والهند وفارس،والظاهر أنه أدخله أحد الصوفية إلى بلاد المسلمين،في القرن السابع الهجري، وقيل غير ذلك، فقد نقل المقريزي في “المواعظ والاعتبار” (3/226 إلى 231/دار الكتب العلمية، تحقيق خليل المنصور)، تحت قوله : «ذكر حشيشة الفقراء» عنالحسن بن محمد في كتاب “السوانح الأدبية في مدائح القنبية” أن الشيخ حيدر الصوفي،وكان شيخ زاوية في جبل من بلاد خراسان، اكتشفه، وخص به الفقراء الصوفية، زاعما أنه مما أكرمهم الله به، قال الحسن بن محمد: «ولم تزل الحشيشة شائعة ذائعة في بلاد خراسان ومعاملات فارس، ولم يكن يعرف أكلها أهل العراق حتى ورد إليها صاحب هرمز، ومحمد بن محمد صاحب البحرين، وهما من ملوك سيف البحر المجاور لبلاد فارس في أيام الملك الإمام المستنصر بالله، وذلك في سنة ثمان وعشرين وستمائة، فحملها أصحابهما معهم وأظهروا للناس أكلها، فاشتهرت بالعراق ووصل خبرها إلى أهل الشام ومصر والروم فاستعملوها»،والله أعلم، وقد قيلت فيها أشعار وقصائد،واستعملها الصوفية بعده وتواصوا بها، فاعتبروها نبتة روحانية تساعد على التأمل والاتصال بالله تعالى،وسميت أيضا لقيمة الذكر، وذكر المقريزي كلام الأطباء أيضا، فليراجع ثَمَّ، ثم انتشرت زراعتها بسبب ذلك وغيره، ووصلت إلى بلاد أوروبا وشمال أفريقيا، ودخل العالم في تخذير عام،وهلوسة عالمية.

 

تعاطاه كبار الصوفية مثل ابن عربي الحاتمي المسمى عندهم الشيخ الأكبر،وكان الحشيش يتسبب له في حالات هلوسة وهذيان، قال فيها عجائب وغرائب،بل جعلته يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم ناوله كتاب “الفصوص“، وقد نقل علاء الدين البخاري الحنفي المتكلم في “فاضحة الملحدين وناصحة الموحدين” (2/26و27/رسالة ماجستير لمحمد بن إبراهيم العوضي) وغيره، عن عضد الدين الإيجي المتكلم الأشعري أنه سئل عن بعض كتب ابن عربي كالفتوحات والفصوص فقال: «أفتطمعون من مغربي يابس المزاج بحر مكة ،ويأكل الحشيش شيئا غير الكفر»! وتابعه في نقل ذلك وغيره التفتزاني المتكلم في “الرد على أباطيل كتاب الفصوص“.

ومثله فلاسفة غربيون مثل سارتر وفوكو ونيتشه، نسبوا إليهم تعاطي الحشيش، حتى إن بعضهم قال: «لا يمكن فهم كلام كانط إلا بعد التحشش»، بل ألف الفيلسوف اليهودي “والتر بنيامين” كتابا يحكي فيه تجربته الفلسفية مع الحشيش سماه “on hashish” وطبع مترجما إلى العربية باسم “مع الحشيش”، حكى فيه البعد الروحي والفلسفي والصوفي لتعاطي الحشيش، وكذلك أدباء مثلوليام شكسبير، فقد وجدوا بقايا قنب هندي في غاليوناته، وهي أنابيب تستعمل للتدخين، ونسمي نحن الواحد منها “السبسبي“، وهو قائد إلى مهلكة، وماذا سننتظر من هؤلاء كما قال عضد الدين الإيجي في ابن عربي، سنقول نحن فيهم، لن ننتظر إلا “التفاهة والسفاهة“.

بعد أن تمكن دعاة الفكر التزويروالقذارة من تحرير المرأة على غير هدي الأنبياء، أي جعلها حريرة تشرب، أو ثوبا يلبس، صارت من أكثر مستهلكي الحشيش والمخدرات في العالم، باعتبار المساواة بين الرجل والمرأة، وهذا يقتضي وجوب مشاركتها الرجل في ذلك،وإلا كان تحيزا ضدها،فاحذروا يا عباد الله من الأوغاد، ولصوص الأكباد.

نسبة المتحششات في العالم الغربي ترتفع وتزيد، فإلى أين يمضي بنا هؤلاء يا عباد الله، وها أنتم ترون وتسمعون كيف ينادي بعض المنسوبين إلينا من قومنا، وبني جلدتنا، ممن مسخوا بفكر حداثة الخمر والحشيش، بأن تتابع نساؤنا نساء الغرب، وبناتنا بناتهم، وقد نجحوا في بعض ذلك،وبدأ أثرهيظهر، وصارت متلازمة التحرر والتخدر متحققة، فانظر إلىفتيات مغربيات يتعاطين الشيشة في المقاهي، بل ويسكرن، ويأتي بعد ذلك الزناوما يليه، وإذا تحششت النساء، وسكرن، فماذا سيكون حال الأسر والأبناء؟

تكلم علماؤنا عن الحشيشة وأضرارها العقلية، تبعا لما لاحظه أطباء المسلمين،فحرموها لما ينتج عن استعمالها من إفساد حقيقي للدماغ وإذهاب لحالة العقل، فألف الإمام الزركشيالشافعيالمتكلم الأشعريكتابا خاصا في ذلك سماه “زهر العريش في تحريم الحشيش“، وكان الدافع له إلى ذلك انتشارها بين سفلة الناس في زمانه، والكتاب جدير بالمراجعة، قال الشيخ خليل في “المختصر” في باب بيان أحكام الوقف (ص189/دار الرشاد الحديثة): «وبطل على معصية»، أي الوقف، قال الخرشي في “شرح المختصر” (7/81): «يعني أن الوقف على المعصية باطل،كمن وقف على شربة الخمر وأكلة الحشيش وما أشبه ذلك».

نعمة العقل أغلى نعمة حبى الله بها الإنسان، فبها تعرف على ربه،وعرف مراده منه، وفهم خطابه وخطاب رسله ،وبه استطاع تنزيل كل ذلك في حياته، لكن إبليس، أبى إلا ان يفسد عليه أغلى ما عنده، وهي حالة العقل والتعقل، ولذلك سعى ليفسدها عليه باسم العقل والتفلسف، فللشيطان مصايدفي ذلك ويرجى لبيان هذا  مراجعة كتاب “إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان” للعبقري الإمام ابن قيم الجوزية.

تصوروا معي الآن، دولة يتحششمفكروها، وسياسيوها، وربما “أبرمت عقود الحشيش“في البرلمان، كيف سيكون حالها، سيرتفع جميع الناس إلى مستويات عالية من التنمية الحشيشية ولا بد، جهة واحدة لا يهمها من انتشار الحشيش سوى تغييبنا، لتتمكن من حسن استغلالنا، ثم تكتفي بأدنى مجهود لإسقاطنا.

تعد مسألة القنب الهندي اليوم مسألة تجارة ومصالح دولية، ولا يكفي الحديث عن حكمها شرعا، فما خفي أعظم، وبيان أضرارها صحيا واجتماعيا، فخط الإنتاج العالمي لا يراعي إلى معادلاته الربحية، ودعوى زراعة القنب الهندي للاستعمال الصناعي والطبي ملفوفة بالمقامرة والمغامرة والمخاطرة، ولست أدري سبب الإصرار على اختيار القنب الهندي لذلك ،مع ان هناك نوعا من القنب يشبه القنب الهندي المحشش، وهو غير مستهلك في هذا تماما، إنما يستعمل لأغراض صناعية أخرى، وهذا هو ما يمكن فتح النقاش فيه،  لكن، من سيستطيع التمييز بينهما، فإنهما من حيث الشكل توأمان،…le chanvre  وهذا استعمالاته صناعية،وle chanvre récréatif  وهو الحشيش المعروف، فاللهم حفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين والناس أجمعين.

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *