كل ما يخالف سُنة الله في الأرض فهو مخالف للطبيعة الكونية؛ لذلك استحال أن تتقبل الطبيعة ما لم يقدِّر لها الله أن تعتاد عليه.
هاتان جملتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في حق إسرائيل والعرب والمسلمين؛ فإسرائيل دولة ولدت من لا شيء؛ ليس لها إرث حضاري ولا ثقافي يساعدها لتقيم دولة. وليس لأهلها (اليهود) القابلية في أن يعيشوا مع جنس من دون جنسهم؛ ذلك لما تنصُّ عليه توراتهم من عقيدة (الترانسفير) وهي طرد الجوييم[1] من أراضيهم.
لذلك كثيراً ما نبذتهم شعوب أوروبا؛ نظراً لما وجدوا فيهم من عنصرية في المعاملة؛ ذلك بأنهم يؤثِرون أنفسهم ويعتبرون أنفسهم الأعلين. ويكأن الدعم الغربي الذي لاقاه اليهود منذ تيودور هرتزل منذ مؤتمر بازل 1897م وحتى يومنا هذا، جزءٌ منه هو لإبعاد اليهود عن المجتمعات الغربية. فكان هذا هو السبب الأول للتحول من نبذهم إلى دعمهم.
وفي عام 1917م بدأ يشيع علناً الدعم الغربي لإقامة دولة لليهود على أرض فلسطين، بعد أن كانوا في ترددٍ أين تقام الدولة: في إفريقيا (أوغندا)، أم آسيا (العراق)، أم أمريكا الشمالية (كندا)، أم أمريكا اللاتينية (الأرجنتين)؟ حتى استقر بهم الحال في فلسطين. فاستقرارهم على أن تكون أرض فلسطين هي موطنهم -كونها كما يدَّعون: أرضاً بلا شعب- جعل بعض الناس يرى في ذلك أنه بداية لصراع عقائدي بين اليهودية في ثوبها الصهيوني وبين الإسلام؛ لكون المسلمين أصحاب أرض فلسطين.
ففي عام 1917م بدا أمر غريب؛ فعلى الرغم مما عاناه اليهود من مضايقات في دولهم الأوروبية، فقد وجدوا من الأوروبيين من هو عون لهم. ومن ذلك صدور تصريح بلفور عام 1917م على يد وزير الخارجية البريطاني آنذاك (أرثر بلفور) الذي كان يَدِين بالنصرانية الصهيونية، في أوَّل فترات (الانتداب) البريطاني لفلسطين.
ويُعَدُّ السبب الثاني للتحول من النبذ الغربي لليهود إلى دعمهم: هو بروز القيادات المؤمنة بالرؤية الصهيـونية في الدول الغربية.
وفي وقتنا الحاضر، أرى سبباً ثالثاً يدفع الغرب لزيادة المدد لدعم دولة العدوان أو يهود الشتات، وهو ما توصَّل له هذا الكيان الصهيوني من تقدُّم؛ خاصة في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا وصناعة الأسلحة. فقد تمكَّن هذا الكيان من ربط علاقاته بدول تحوَّلت من العداء المطلق له إلى الدعم غير المتناهي: إما بطريقة مباشرة لحماية الدولة نفسها، وإما بطريقة غير مباشرة بكف الأذى عنها، من أمثال أستراليا، التي رفضت في بادئ الأمر الاعتراف بها حتى سنة 1988م.
وثمَّة سبب رابع للدعم الذي تتلقاه تلك الدولة: هو تمكُّن يهود الشتات من التأثير على دوائر اتخاذ القرار ليس فقط في الدول النامية، وإنما في الدول المتقدمة والعظمى منها؛ فألمانيا -على سبيل المثال- بدأت تشعر بالندم والرغبة في التكفير عما ارتكبته النازية في حق اليهود؛ فمنذ عهد كونراد أديناور (المستشار الألماني عام 1949م) حتى أنجيلا ميركل (المستشارة الحالية) كلهم يشعرون بالأسف ويعوضون ذلك في أشكال مختلفة من التعاون (سياسياً واقتصادياً وثقافياً).
إضافة إلى اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة المتمثل بالأساس في لجنة الشؤون العامة (الأمريكية/الإسرائيلية) AIPAC وغيرها من المنظمات التابعة للمسيحيين الصهاينة. فلا يخفى مدى تأثير هذا اللوبي على السلطتين (التنفيذية والتشـريعية) في الـولايات المتحـدة، وأقرب دليـل نجـده في ما جرى من مناقشات في الكونغرس الأمريكي لرغبتهم في ربط حق العودة للفلسطينيين بنظيره لليهود.
وسبب خامس أراه مهماً في هذا الصدد: هو وجود دافع عقائدي عند بعض ساسة الغرب وجماعات الضغط التي تتبنَّى المذهب الإنجيلي الصهيوني، أو المسيحية الصهيونية؛ فكلاهما يشترك في رؤية قدوم معركة هرمَجدُّون وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاض الإرث الإسلامي المتمثل في المسجد الأقصى. (كريم خشبة؛ مجلة البيان بتصرف).
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الجوييم: كل من هو غير يهودي.