توظيف المنهج.. كبديل للفهم السلفي للقرآن

بدلاً من مفهوم المقاصد والمصالح تُطرح قضية المنهج وهي الرؤية التي صاغها أبو القاسم حاج حمد وتتمثل بولادة جديدة للإنسان العربي “وليست عودة إلى عنعنات ابن كثير، وإلى ما ثبت وما لم يثبت من أحاديث الرسول” 1 الكريم عليه الصلاة والسلام.
إذ “العالمية الثانية والجديدة ليست تجديداً للأولى بأي حال من الأحوال، وإنما هي تاريخ حضاري جديد متواصل، والعالمية في نشوئها وتكوينها تستمد من القرآن ولأول مرة منهجه الكلي بكافة الشمولية والاتساع كما يستطيعها الإنسان”2 .
وهي -أي العالمية الثانية- لا ترث عن العالمية الإسلامية الأولى مفهومها السلفي والتطبيقي للقرآن، ولا ترث عنها مفهومها التأويلي بل تستعيض عن السلفية التطبيقية والتأويلية الباطنية بمفهوم منهجي جديد للقرآن في وحدته العضوية ودلالاته الكونية، وهذه الاستعاضة تأتي من قبيل التجاوز التاريخي للمرحلة البدوية العربية المتخلفة 3.
ومن هنا فإن “التبصر بالمنهج القرآني الكلي يدفع بنا عميقاً إلى المكنونات، ويكشف لنا عن أن الكيفية التي فُهم بها القرآن في مرحلة تاريخية معينة لا تعني أن الفهم كان خاطئاً بالقياس إلى تلك المرحلة، فذلك حظهم من القرآن ضمن خصائص واقعهم وأبعاده التاريخية، ولكن الخطأ في تطبيق مفهومية التجربة السلفية على خصائص واقع مغاير بأبعاد تاريخية مغايرة. وتحسباً لهذه المتغيرات التاريخية في الواقع، مع بقاء القرآن كما هو مستمراً وخالداً، فقد جعل الله عز وجل المنهـج مـرادفاً للقدوة النبوية، وجعل النفاذ إلى المكنون بالمنهج هو البديـل عن الفهم السلفي للقرآن”4.
“فهي ليست رسالة ثانية 5 كما ادعى بعضهم، وإنما عالمية ثانية تأخذ محتواها الجديد لا من تطبيقات سلفية ومفهوم سلفي، ولكن من تجريد منهجي قرآني يهيمن على معاني التطبيق في المرحلة السابقة” 6. لأن هذا التجريد المنهجي يعلو على كل الخصائص المحلية، والتجربة النبوية تأتي في إطار المراعاة الكاملة لخصائص المرحلة الموضوعية تاريخياً واجتماعياً وفكرياً، لأنه ما من مرحلة تستطيع أن تحتوي تطبيقياً وبالوعي الكامل المنهج الإلهي، فإن المنهج يرقى على النبوة لأن القرآن محتوى هذا المنهج 7 .
————————-
(1) حاج حمد؛ العالمية الإسلامية الثانية 2/332.
(2) نفسه 2/334 والبعد الزماني والمكاني وأثرهما على التعامل مع النص الشرعي محمد سعيد لبو هراوة ص:99.
(3) انظر: حاج حمد؛ العالمية الثانية 258.
(4) السابق 257.
(5) يشير إلى كتاب محمود طه: الرسالة الثانية من الإسلام.
(6) حاج حمد؛ العالمية الثانية ص 257 .
(7) نفسه؛ ص:250.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *