الأصل في العبادة الاتباع

الأصل في باب العبادات هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم بدون زيادة ولا نقصان فليس لأحد مهما كان أن يزيد في العبادة شيئاً ولا أن ينقص منها شيئاً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وجماع الدين أصلان أن لا يعبد إلا الله ولا نعبده إلا بما شرع لا نعبده بالبدع، كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} الكهف.
وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله.
ففي الأولى: أن لا نعبد إلا إياه.
وفي الثانية: أن محمداً هو رسوله المبلغ فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره وقد بين لنا ما نعبد الله به ونهانا عـن مـحـدثـات الأمـور وأخـبـر أنـهـا ضـلالة، قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}) (العبودية ص:170-171).
وقال رحمه الله: (إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان عبادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها.
فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع.
وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى.
وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله والعبادة لا بد أن تكون مأموراً بها فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟ ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون: إن الأصل في العبادات التوقيف فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله وإلا دخلنا في معـنـى قوله تـعـالى: {أم لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}) (القواعد النورانية 78-79).
وقال ابن القيم: (..ولا دين إلا ما شرعه الله فالأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليل على الأمر. والأصل في العقود والمعاملات الصحة حتى يقوم دليل على البطلان والتحريم.
والفرق بينهما أن الله سبحانه وتعالى لا يعبد إلا بما شرعه على ألسنة رسله فإن العبادة حقه على عباده وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه. وأما العقود والشروط والمعاملات فهو عفو حتى يحرمها.
ولهذا نعى الله سبحانه وتعالى على المشركين مخالفة هذين الأصلين وهو تحريم ما لم يحرمه والتقرب إليه بما لم يشرعه..) (إعلام الموقعين 1/344).
وقد كان لسلفنا الصالح رضوان الله عليهم مواقف حاسمة تؤيد هذا الأصل وتؤكده فمن ذلك:
ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أنه قبَّل الحجر الأسود وقال: إني لأقبلك وإني لأعلم أنك حجر ولكني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك) متفق عليه.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 3/397: (وأما قول عمر رضي الله عنه: “لقد علمت أنك حجر وإني لأعلم أنك حجر وأنك لا تضر ولا تنفع” فأراد به بيان الحث على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في تقبيله ونبَّه على أنه لولا الاقتداء به لما فعله.
وإنما قال: “وإنك لا تضر ولا تنفع” لئلا يغتر بعض قريبي العهد بالإسلام الذين كانوا ألفوا عبادة الأحجار وتعظيمها رجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير في تعظيمها وكان العهد قريباً بذلك، فخاف عمر رضي الله عنه أن يراه بعضهم يقبله ويعتني به فيشتبه عليه، فبيَّن أنه لا يضر ولا ينفع بذاته وإن كان امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب..).
وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه طاف مع معاوية رضي الله عنه بالبيت فجعل معاوية يستلم الأركان كلها فقال له ابن عباس: (لم تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما؟ فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً. فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فقال معاوية: صدقت) (رواه أحمد والترمذي ورواه البخاري تعليقاً).
قال الشيخ الساعاتي معلقاً على كلام ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم: (يعني -أي معاوية- أنها كلها أركان البيت فلا نستلم البعض ونترك البعض.
يريد ابن عباس أننا لم نترك استلام الركنين هجراً للبيت ولكننا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ففعلنا مثله، فرجع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهم حينما ظهر له الدليل وقال صدقت. وهكذا شأن المؤمن إذ ظهر له الحق وكان مخالفاً لرأيه طرح رأيه واتبع الحق والرجوع إلى الحق فضيلة) (الفتح الرباني 12/41).
وقد ورد عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر فقال: (الحمد لله والسلام على رسول الله، قال ابن عمر: وأنا أقول الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمَنَا أن نقول: الحمد لله على كل حال) (رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد غريب، ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي).
– وورد عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟! قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة. (سنن البيهقي 2/466 ، مصنف عبد الرزاق 3/52 ، الفقيه والمتفقه 1/147).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *