قراءة تحيينية لمطالب إسبانيا الأربعة بالأمس محمد بوقنطار

أي لهجة شديدة تلك التي نضحت بها سطور الرسالة التي كتبها القائم بأعمال القنصلية الإسبانية “خوان بلانكودي إلبايي” إلى نظيره النائب محمد بن عبد الله الخطيب الذي كان يشغل حقيبة الخارجية المغربية آنذاك، لقد كانت الرسالة شديدة اللهجة متعالية الانفعال مقصودة الإثارة في كل فقراتها، هذه الرسالة التي كان تاريخ إرسالها يومه السادس من صفر لسنة 1276هـ/5-9-1859م، ذيل آخرها بكلمات جاء فيها: “وإذا كانت حكومة جلالة الملك ترى أن ليس في ميسورها ذلك فأخبرونا سريعا، فإن الجيوش الإسبانية بتوغلها في أراضيكم سوف تشعر تلك القبائل الهمجية والمتأخرة عن العصر الذي نحن فيه…”.
ثم استرسل على هذا النحو عاطفا على كلامه النص على جملة من مطالب الإسبان من حكومة المملكة المغربية، والتي كانت عبارة عن أربعة مطالب تشخص قضية استعلاء وتجبر وتكبر لازلنا نجد له امتدادا في السياسات الخارجية الغربية الحالية إلى يومنا هذا، وإن كان الأمر قد أخذ مناحي اقتصادية وثقافية تخفي وراء أصباغها الحداثية الزائفة الوجه السافر للاستعمار الغاشم، وقد جاءت هذه المطالب على النحو الآتي:
1ـ إعادة رفع العلم الإسباني في محله، وقيام جيوش السلطان بتحيته من نفس المكان الذي نكس فيه.
2ـ أن يساق المعتدون إلى ميدان سبتة ليعاقبوا بصرامة على مرأى من حاميتها ومشهد من سكانها.
3ـ إصدار تصريح رسمي بمنح الملكة حق تشييد التحصينات التي تراها ضرورية لسلامة سبتة.
4ـ اتخاذ الوسائل التي أشرت عليكم بها في محادثتنا الأخيرة، وفقا لتكرار ما سبب تعكير السلام وحسن التفاهم اللذين كانا يسودان بين الدولتين.
وكانت هذه المطالب مرهونة بسقف زمني محدود على مستوى هامش الاستجابة، يدل على هذا قول القائم بأعمال القنصلية الإسبانية: “فإذا ما حل الأجل المذكور ولم نحصل على هذه الترضية، فإني سأنسحب من هذه البلاد وجميع رعايا مملكة سيدتي، وأنتم تعرفون معنى هذا والسلام”.
إن من حسنات عملية اجترار مثل هذه الوثائق التاريخية، وتحيين مضمونها، كان ولا يزال هو الإعانة التي تتخطى مستوى الاعتضاد إلى درجة الاعتماد عليها في وضع الكثير من سلوكيات الغرب في سياق تاريخي متصل غير منفصل، قد يفتح أمام الراغب في تأصيل نظرته إلى هذا العالم الغربي فرصة تكوين وجهة نظر صائبة من شأنها أن تعري على حقيقة أن الاستعمار والاستكبار والغطرسة هي صنعة لم تغادر أجندة تعامل الغرب معنا إلى اليوم، وإن كان الاستعمار قد أبدل الدبابة والبندقية بمسميات حداثية جديدة، وآليات معاصرة لا تقل خطورة عن سالفتها، خطورة قد تتغول أنفالها بينما لا تستطيع أن تجيش لها مقاومة تطالب باسترجاع الحقوق المستلبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *