التحيز العلماني للرؤية الغربية المتطرفة في قضية المرأة والكيل بمكيالين حماد القباج

يعتقد العلمانيون -بمختلف مشاربهم- أن المناهج الغربية المتبعة في قضية المرأة مناهج صحيحة ينبغي أن نحذو حذوهم فيها.

ومن هذا المنطلق تتلقف الجمعيات النسوية الحقوقية ذات النزعة العلمانية توصيات المؤتمرات الدولية بلهف وتسليم تام، وتحرك لسانها لتعجل بها نحو التطبيق الفوري والشامل في مجتمعنا وكأنها وحي نزل من عند الله عز وجل.
ولقد تجلت التبعية الماسخة وظهر التسليم المشار إليه ظهورا فاضحا في سعي تلك الجمعيات لرفع كل التحفظات -بدون استثناء- التي أبدتها الحكومة المغربية على بعض تلك التوصيات.
ومن التوصيات المذكورة تلك المتعلقة بالجانب الجنسي من حياة المرأة؛ فإن تلك المؤتمرات تلح على أن للمرأة الحرية التامة في أن تفعل بجسدها ما تشاء، وبأنه ينبغي تزويد الفتيات -بما فيهن من دون الثامنة عشر سنا- بالثقافة الجنسية، كما ينبغي أن لا يمنعن من الاختلاط بالذكور منذ السنين الأولى للدراسة.
ومما أجمعت المؤتمرات المذكورة على الدعوة إليه:
فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة شرعاً والتضييق على الزواج، ومن ذلك:
السماح بحرية الجنس، والتنفير من الزواج المبكر، والعمل على نشر وسائل منع الحمل، والحد من خصوبة الرجال، وتحديد النسل، والسماح بالإجهاض المأمون، والتركيز على التعليم المختلط بين الجنسين وتطويره، وكذلك التركيز على تقديم الثقافة الجنسية للجنسين في سن مبكر. وتسخير الإعلام لتحقيق هذه الأهداف.
ومنه أيضا: التشديد على تقديم الخدمات الصحية التناسلية والجنسية، وكيفية معالجة ما يقع من الأمراض الجنسية، والحمل، وبخاصة (الإيدز).
هذا مجمل توصيات المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، الذي عقد في بكين بالصين عام 1416 هـ / شتنبر 1995م، المتعلقة بالموضوع.
ومن فقرات تلك التوصيات:
° (إن حصول المراهقات على المشورة والمعلومات والخدمات – فيما يتعلق بالصحة والإنجاب – لا يزال قاصراً أو معدوماً تماماً، وكثيراً ما لا يؤخذ في الاعتبار حق الشابات في الخصوصية، والسرية، والاحترام، والموافقة المستنيرة).
° (لدى إجراء البحوث الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية، ينبغي إيلاء اهتمام خاص لحاجات المراهقين؛ من أجل وضع سياسات وبرامج وتكنولوجيات مناسبة لتلبية احتياجاتهم الصحية. وينبغي إعطاء أولوية خاصة للبحوث المتعلقة بالأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز).
وهذا وأمثاله إنما هو تأكيد وتفصيل لما جاء -قبل- في توصيات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة عام 1994م، ومما جاء فيها:
° (ينبغي أن تكون برامج الرعاية الصحية الإنجابية مصممة لتلبية احتياجات النساء -بما في ذلك المراهقات-).
° (ينبغي العمل على إتاحة الرفالات والعقاقير للوقاية من الأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، وتوفيرها على نطاق واسع وبأسعار متهاودة، مع إدراجها في جميع قوائم العقاقير الأساسية) اهـ. ومعلوم أن سن المراهقة يبدأ عادة من العام العاشر من عمر الإنسان، وقد يدخل في هذه المرحلة وهو ابن تسع، ويكثر هذا في البيئات الحارة، سيما عند الفتيات.
ومع هذا لم نسمع علمانيا يستنكر هذه التوصيات، بل أجمعت على قبولها والسعي لتنفيذها عامة المنظمات والجمعيات والهيئات الحقوقية والمعنية بالمرأة، بل إن تلك التوصيات كانت لبعض العلمانيين بمثابة الكلام المقدس، ومن ثم سعوا سعيا حثيثا لفرضه على الواقع المغربي، الذي اجتهدوا في جعل التعليم فيه مختلطا، وصدرت بهذا الشأن مذكرات تأمر المؤسسات التي يظهر فيها شيء من المحافظة بالحرص على جلوس الفتى بحذاء الفتاة، ويعد هذا من المسلمات السلوكية التي يُرمى مُخالفها بالرجعية والظلامية في الفكر وبأنه من المكبوتين، مع أن الشرع يُبين والواقع يشهد بأن الاختلاط من أعظم أسباب الفساد.
ويبارك العلمانيون إنشاء علاقات الصداقة والمصاحبة بين الفتيان والفتيات ولو كانوا دون العاشرة، كما أنهم يرفضون أية رقابة على الإعلام الإباحي الذي يأخذ بأيديهم إلى العلاقات الجنسية الفاسدة، بل الشاذة المدمرة.
وجريا على ذلك الأصل الفاسد سلك العلمانيون مسلك تسويغ تلك العلاقات قانونيا، ولا يعتبرون الزنا المتراضى عنه محظورا ولو كان بين من لم يتجاوزوا الثامنة عشر، ويدعون إلى تجويز إجهاض كل فتاة حملت من سفاح، ومن لم تجهض يؤوونها ويسمونها أمًّا عازبة.
ولم نسمع من أحدهم يوما قوله: ينبغي منع الاختلاط المؤدي إلى هذه المفاسد.
ولم نسمع من المحامي محمد بكوري دعوة جمعيات حقوق الطفل والمرأة إلى استنكار هذه التوصيات.
فلما أفتى عالم بما دل عليه الشرع من مشروعية زواج الصغيرة بشروطه وضوابطه قامت قيامة القوم، حتى قام المحامي المذكور يدعو مختلف الجمعيات والمنظمات الحقوقية خصوصا تلك التي تهتم بحقوق الطفل إلى استنكار هذه الفتوى والمساهمة في التصدي لها. جريدة النهار المغربية العدد 1325
ومعنى ما تقدم: أن الفتاة ذات التاسعة فما فوق، ينبغي أن نربط الاتصال بينها وبين الفتى، وأن نؤمن لهما الخصوصية والسرية في علاقتهما، مع توعيتهما بالثقافة الجنسية ووسائل تجنب الحمل وتفادي الأمراض الجنسية، وأن نحول دون علاقة تسمى الزواج المبكر.
هذا وحي الأمم المتحدة الذي بلغه رسولها (المؤتمرات الدولية)، ويدعو إليه حواريو الرسول (الجمعيات النسائية العلمانية)، وهذه شريعتها في هذا الباب التي ينبغي أن تطبق حرفيا.
أما شريعة الله ووحيه، فبين متأول تأويلا تعسفيا، وراد ردا مخلا بمقتضيات الإيمان بالله ربا، فاللهم غفرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *