من الأمور الأساسية التي لا يجب أن تغيب عن أذهاننا؛ وحري بنا أن نستحضرها ونحن نفتح النقاش حول هذا الموضوع بالذات؛ أن النخبة العلمانية ظلت مسيطرة على المؤسسات الإعلامية -العمومية منها وغير العمومية-؛ منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، وهي غير مستعدة بتاتا للتفريط في هذه المؤسسات التي تضمن من خلالها إيصال رسالتها والسيطرة شبه التامة على الرأي العام.
ومن ضمن الوعود والالتزامات الكبرى التي قطعها الحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة على نفسه: محاربة الفساد والمفسدين واقتصاد الريع، ونحن نرى رأي العين أن إفساد العلمانيين في وسائل الإعلام العمومية شاع وذاع؛ ورائحة فضائحهم وفظائعهم أزكمت الأنوف.
فبغض النظر عن إفسادهم في المجال العقدي والسلوكي والأخلاقي والقيمي الذي لا يحرك غيرة كثيرين -للأسف الشديد- علما أنه أول ما يجب أن ينكر؛ فقد بان للعيان درجة الفساد المالي الذي بلغته القناة الثانية؛ وهو نوع من الفساد يثير حفيظة الجميع وترتفع له الحناجر عاليا.
حيث كشف وزير الاتصال مصطفى الخلفي أن رأس مال شركة صورياد دوزيم الذي كان يساوي 302 مليون درهم انخفض إلى 21.7 مليون درهم حاليا٬ مسجلا بذلك انخفاضا يقدر بـ93 في المائة، وأن ديون الشركة تقدر بـ 229 مليون درهم بالنسبة للممولين٬ و144 مليون درهم بالنسبة لخزينة الشركة من السيولة المالية، وأنه من المرتقب أن تسجل شركة صورياد دوزيم سنة 2012 خسارة بقيمة 63 مليون درهم.
ومن قبل كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2009 عن الوضعية المالية الحرجة التي بلغتها شركة صورياد دوزيم، والاختلالات الكبيرة وسوء التدبير، وأشار التقرير إلى استثمارات ضخمة قامت بها الشركة من قبيل بناء أستوديو 1200 وتوسيع مقر القناة.
وضبط التقرير العديد من أوجه القصور المتعلقة بالحكامة، حيث أكد أن المجلس الإداري مقصر في القيام بدور المتابعة والمراقبة للأنشطة التي تقوم بها الإدارة العامة، وأن لجنة التدقيق في الحسابات، التي أحدثها المجلس الإداري سنة 2007 لم يتم تشغيلها بعد، كما لم يتم إحداث اللجان الأخرى التي تم إقرارها، مما ينعكس سلبا على الوضعية المالية للشركة ويحد من مردوديتها الاقتصادية.
وأشار تقرير المجلس إلى أن عددا من البرامج المنتجة كـ”استوديو دوزيم، شلانجر..” حققت عجزا ماليا مهما، وأدى إنتاجها في سنة 2007 بالنسبة “لستوديو 2م”، و2008 لـ”لمسات” و”شالنجر” إلى عجز مالي قدر بـ10 مليون درهما.
فمن الذي أوصل القناة إلى هذه الوضعية المالية المتردية؟
وفيما كانت تصرف هذه المبالغ الضخمة والكبيرة؟
فالمسؤولون على القناة الثانية قبل أن يوجهوا الانتقادات إلى دفاتر التحملات التي تمس بـ”بهوية القناة”!! -الهوية العلمانية طبعا- عليهم أن يقدموا للرأي العام إجابة على هذه التساؤلات.
وفي إطار الحكامة الجيدة والتنزيل الفعلي لمقتضيات الدستور الجديد التي تؤكد على ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ فإنه يتعين عرض المسؤولين على القطب العمومي عامة والقناة الثانية -التي تشرف على الإفلاس- خاصة إلى المحاسبة؛ ومساءلة هؤلاء المسؤولين على الفساد المالي والوضعية المالية المزرية التي تعاني منها القناة؛ وكذا محاسبتهم على مدى التزامهم بدفاتر التحملات السابقة التي كانت تمرر بهدوء وليونة ولا يثار بخصوصها أي نقاش؛ واستغلالهم وسائل الإعلام العمومية لمصالح وأهداف أيدويلوجية مكشوفة؛ وترسيم نموذج سلوكي شاذ ومنحرف ومنحط..
فبهذا يستعيد الشعب ثقته -نوعا ما- في الوعود السياسية والشعارات الحزبية، أما إذا اقتصر الأمر على إقالة من تم تورطه في الفساد؛ وطي ملفه كما كان في سابق العهود؛ فأظن أن هذا التصرف يكرس ما ناضل الشعب لمحوه وإزالته ويفقد المواطنين تماما المصداقية في إرادة التغيير والرغبة في الإصلاح.