من قواعد الشرع المطهر أن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئًا حرم الأسباب والطرق والوسائل المفضية إليه! تحقيقًا لتحريمه، ومنعًا من الوصول إليه أو القرب من حماه، والوقاية خير من اكتساب الإثم والوقوع في آثاره المضرة بالفرد والجماعة، ولو حرم الله أمرًا وأبيحت الوسائل الموصلة إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وحاشا شريعة رب العالمين من ذلك.
وفاحشة الزنا من أعظم الفواحش وأقبحها، وأشدها خطرًا وضررًا وعاقبة على ضروريات الدين، ولهذا صار تحريم الزنا معلومًا من الدين بالضرورة، قال العليم الخبير: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً” (الإسراء)، يقول العلامة السعدي رحمه الله: “والنهي عن قربان الزنا أبلغ من النهي عن مجرد فعله! لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه! فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه” (تيسير الكريم الرحمن).
لقد حرم الإسلام جميع الأسباب والطرق، وكل الدواعي والمقدمات التي تؤدي للوقوع في الفاحشة، ومن أعظم تلك المقدمات وأخطرها: اختلاط النساء بالرجال، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: “واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا (الطرق الحكمية)، وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: “إن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين، فإذا حصل الاختلاط نشأ عن ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيء، لأن النفوس أمارة بالسوء، والهوى يعمي ويصم، والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر. (فتاوى الخلوة والاختلاط).
إن من حرص الشارع الحكيم على التباعد بين الرجال والنساء وعدم الاختلاط بينهم، أن رغب في ذلك حتى في أماكن العبادة كالصلاة التي يشعر المصلي فيها بأنه بين يدي ربه بعيدًا عما يتعلق بالدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها” (مسلم)، قال الإمام النووي رحمه الله: “وإنما فضل آخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن عن مخالطة الرجال وذم أول صفوفهن لعكس ذلك” (شرح صحيح مسلم).
إن جذور الاختلاط في التعليم بين الجنسين في الدول الإسلامية ترجع لقدوم المدارس والجامعات الأجنبية التنصيرية إلى بعض بلادنا، والتي ما لبثت مع مرور الزمان أن تحولت إلى مدارس وجامعات مختلطة بين الطلاب والطالبات بعد أن كانت غير مختلطة في بداية إنشائها، ثم كانت الدعوة لاختلاط الجنسين في المدارس والجامعات على أيدي العلمانيين ممن افتتنوا بما لدى الغرب من تقدم علمي، فظنوا أن هذا من آثار الاختلاط فرفعوا راياتهم منادين ومدافعين عنه.
وقد كانت حجتهم كالعادة هي: تحقيق المساواة بين الذكور والإناث وتحرير المرأة، بدعوى أنها مضطهدة، إلا أنه مع مرور السنين لاحظ الغرب أنفسهم أن نتائج هذه التجربة لم تكن في مصلحتهم حيث أصبحت مؤسساتهم التعليمية وكرا للاغتصاب والفحش والاستغلال والتحرش الجنسي.
وبالنظر إلى موقفهم المعلوم اتجاه الإسلام والمسلمين فقد حاولوا نقل هذا الداء إلينا عن طريق الطابور الخامس “العلمانيين” للقضاء على ما تبقى لدينا من قيم وأخلاق، فاستعملوا في حملتهم شعار مساعدة الدول الفقيرة والنامية وحقوق الإنسان، وحق التمدرس وتعميمه..
إن الحق يعلو ولا يعلى عليه، فبينما يدافع بعض بني جلدتنا عن الاختلاط في التعليم، نجد العديد من الأصوات الغربية التي ترفضه وتقول كلمة الحق التي أخفاها بنو علمان، فالغرب الذي بدأ بالاختلاط في التعليم هو الذي يشكو منه اليوم وينادي برفعه، فمتى نستيقظ من سكرة اتباع الغرب؟
ففي الولايات المتحدة الأمريكية ينادي الرئيس “بوش” وبعض الشخصيات الديمقراطية و”هيلاري كلينتون” بمنع الاختلاط في التعليم.
أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي “جورج بوش” أنها ستمنح المدارس العامة الحكومية والخاصة حق عدم الاختلاط بين الجنسين في المدارس، لتوفير خيارات تعليمية متنوعة وتلبية للاحتياجات التربوية. ووافق الكونجرس الأمريكيعلى هذه الخطوة وأعطى توجيهات إلى وزير التربية والتعليم “رود بيج” ببحث سبل توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمام زيادة عدد الفصول التي يتم من خلالها تطبيق عدم الاختلاط بين الجنسين. وكانت قد تقدمت بهذا المشروع السيناتور الديمقراطي “هيلاري كلينتون” وزميلتها الجمهورية “كاي بيلي هوتشون”، وقالت الأخيرة إن نظام عدم الاختلاط موجود في المدارس الخاصة منذ عدة سنوات وحان الوقت لتعميم هذا النظام على المدارس الحكومية العامة.
سبحان الله! يتراجع الغرب “المتقدم المتمدن!” شيئا فشيئا عن الإختلاط ويأبى الظلاميون العلمانيون في بلادنا إلا استكبارا وعنادا.
تقول يولين ديلابيني: “إن مناقشة مسألة الاختلاط عندنا في فرنسا تدخل في حيز المسكوت عنه كما أعلنت جريدة “ماري كلير”، فلماذا تأخرنا إلى نهاية القرن العشرين لمناقشة هذه المسألة في حين أن دول أخرى انفتحت عليها بشكل ملحوظ، لأن كل الدراسات تؤكد أن الاختلاط ليس في مصلحة البنات، إذ أنهن أقل ثقة من الذكور الذين يتعرضون لهم بالاستهزاء، ولأن المدرسين وعن غير قصد يولون أهمية أكبر للذكورخصوصا في العلوم، وقد توصلت لهذه النتائج دول مثل ألمانيا والسويد وإسبانيا وإنجلترا، وتلقى المدارس الخاصة بالبنات اهتماما خاصا في بريطانيا من طرف الآباء لأنهم لاحظوا أن التلميذات اللاتي يدرسن فيها يحصلن على نتائج جيدة في الباكالوريا. وجربت ألمانيا الفصل في بعض المواد كالتربية الجنسية للذكور لتتيح لهم التعبير بارتياح ثم الإعلاميات عند الإناث، وباختصار فإن السماح بالاختلاط لتحقيق المساواة بين الجنسين حقق نتائجا عكسية لأن مظاهر اللامساواة لاتزال قائمة”.
ويطرح “ميشيل فايز” أخصائي علم الاجتماع في كتابه “فخاخ التعليم المختلط”، أسئلة من بينها: كيف ننقذ البنات من الاغتصابات في المدارس؟ كيف نحمي الأولاد من التدني المستمر في نتائجهم الدراسية بسبب الاختلاط؟
ويرى أن الحل هوالتخلص من الاختلاط في المدارس بين الجنسين ويدافع هذا الباحث عن هذا الرأي بشدة مما أدى إلى اشتهاره بهذا الموقف.
الآثار السلبية للاختلاط
تعاني جل الدول من الآثار السلبية للاختلاط سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية، ويمكن أن نوجز أهم تلك الآثار السلبية للاختلاط في النقاط الآتية:
1ـ ارتكاب الفواحش، وفعل القبائح: في دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أكدت فيها أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحًا وأعمارهن أقل من ستة عشر عامًا، كما أثبتت الدراسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة (الغرب يتراجع عن الاختلاط، بفرلي شو)، وفي أمريكا بلغت نسبة التلميذات الحوامل سفاحًا 48 % من تلميذات إحدى المدارس الثانوية (المرأة المسلمة، وهبي غاوجي).
هذه هي ثمار التعليم المختلط الزنا بالرضا أو الإكراه، ثم الحمل منه، ثم الإجهاض أو ولادة الأطفال اللقطاء، ثم الانحرافات السلوكية لهؤلاء الأطفال، ثم الجرائم العدوانية لهم كبارًا، وهكذا في سلسلة طويلة من المشاكل الأخلاقية، والأخطار الأمنية التي تكلف المجتمع كثيرًا.
2 ـ انخفاض مستوى الذكاء: تبين من خلال مجموعة من الدراسات والأبحاث الميدانية التي أجريت في كل من مدراس ألمانيا وبريطانيا انخفاض مستوى ذكاء الطلاب في المدارس المختلطة، واستمرار تدهور هذا المستوى وعلى العكس من ذلك تبين أن مدارس الجنس الواحد (غير المختلطة) يرتفع الذكاء بين طلابها (الغرب يتراجع عن التعليم المختلط).
3 ـ ضعف الإبداع ومحدودية المواهب : في دراسة أجراها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي في “بون” بألمانيا تبين منها: أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية، وهم محدودو المواهب، قليلو الهوايات، وأنه على العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد (غير المختلطة) (المصدر السابق)، والسبب في ذلك انشغال كل جنس بالآخر عن الإبداع والابتكار.
4 ـ إعاقة التفوق الدراسي: لاحظ المختصون التربويون أن الاختلاط بين الطلاب والطالبات في المدارس يعوق التفوق الدراسي! فعمدوا إلى فصلهم في عدد من المدارس كتجربة، فماذا كانت النتيجة؟
كشفت النتيجة أن البنين عندما يتم فصلهم عن البنات.. يحققون نتائج أفضل في شهادة الثانوية، وأثبتت التجربة الفعلية والنتائج التي أسفرت عنها: أن عدد البنين الذين نالوا درجات مرتفعة تزايد أربع مرات على ما كان سيكون عليه الحال لو أن الفصل كان مختلطًا (المعرفة).
وقد أظهرت دراسة بمعهد “كيل” بألمانيا أنه عندما حدث انفصال .. كانت البنات أكثر انتباهًا، وأصبحت درجاتهن أفضل كثيرًا.
5 – قتل روح المنافسة: ذكرت الدكتورة “كارلس شوستر” خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى استعلاء روح المنافسة بين التلاميذ أما الاختلاط فيلغي هذا الدافع. (الغرب يتراجع عن التعليم المختلط).