إنَّ الحديثَ عن فلسطين تأريخاً، وجغرافيةً وحدوداً، ومناخاً، وسكاناً..، لا يحتاج إلى كبير عناء، حيث كفانا فيه المؤرخون، والكتابُ المسلمون، ولا نبالغ حين نقول: إن الحديث عن فلسطين، ومسجدها الأقصى، وقضيتها من الانتداب البريطاني حتى الاحتلال اليهودي قد أخذا حجماً كبيراً، حتى لو أن أحداً أراد أن يجمع ما كُتبَ عن فلسطين لخرج بمئات المجلدات، وهو بعدُ لمَّا ينتهي، وهذا منهم لا عبثاً أو فضولاً -وحاشاهم من ذلك-، لكنَّ قضيةَ فلسطين لم تكن عندهم كغيرها من بلاد المسلمين، فهي أُولى القبلتين، ومسرى إمام الأنبياء والمرسلين..، لأجل هذا كانت محطَّ أنظارهم، ومحلَّ أفكارهم، ومادةَ تأليفهم، وموطنَ عبراتهم، وليلَ آهاتهم..، ومنه كانت جديرةً بذلك وفوق ذلك، ولا شك.
موضوع ملفنا في هذا العدد سيكون عن قضية فلسطين المسلوبة المنكوبة، التي تسلَّط عليها الصهاينة الغاشمون، الذين جَثوا على بيت المقدس أكثر من خمسين سنةٍ عجاف! يوم عَثَوْا فيها فساداً ودماراً، وجعلوا أهلها شيعاً ما بين قتلٍ، وتشريدٍ، وضربٍ، وتدميرٍ، وحبسٍ..، وكلُّ هذا – للأسف – على مرأى ومسمعٍ من المسلمين وغير المسلمين!
نعم، إن قضية فلسطين اليوم لم تَعُدْ تحتمل القيلَ والقال، أو كثرةَ السؤال، فهي قضيةُ المسلمين كافةً، لذا كانت حديثَ مجالسهم، ومادةَ خُطبهم، وحِبْرَ كُتبهم، وزَفَراتِ قلوبهم، وآهَات صدورِهم، وديوانَ شعرهم، وأسْفارَ نثرهم..!
لذا وجب على كلِّ مسلمٍ أن يشارك بما يستطيع في قضية فلسطين التي تضمُّ المسجدَ الأقصى مسجدَ الأنبياء والمرسلين، ومسرى إمام الأولين والآخرين، هذا يوم تكشَّفت لنا سُحبُ الخائنين، وتساقطت أمامنا راياتُ القوميين، وتَعرَّى لنا أذنابُ المأجورين من العملاء والعلمانيين، وسكتت عندها أصواتُ الأدعياء الكاذبين..!
لقد أصبحت قضية فلسطين مرتعاً خصباً لبعض السَّاسة، والتجار، والعملاء والإعلاميين المأجورين، والعلمانيين المنهزمين، يوم لعبوا بمشاعر وعواطف المسلمين، وتقامروا على بيتِ المقدس الحزين، وخاضوا بأقدامهم في دماء المجاهدين..!
ما أكثر من يتكلم هذه الأيام في قضايا الأمة الإسلامية ممَّا يَحَارُ المسلمُ من جُرأتِهم، لا سيما قضية فلسطين، وحسبنا ما اقترفه أهل الصُّحفِ والإعلامِ من العلمانيين والحداثيين.. اللهم لا تأخذنا بما فعل السفهاء منا! آمين.
إن قضيةُ فلسطين، قضيةٌ إسلاميةٌ لا دخل للوطنيات، والقوميات فيها بأيِّ حالٍ، فما نسمعه منذ أمدٍ بعيد من مؤتمرات، ومفاوضات واتفاقات بين الحين وآخر لم يكن للإسلام فيها يدٌ، ولم يكن طرفاً فيها يوماً من الأيام، وإنما هي شعاراتٌ زائفةٌ يحملها أصحابُها لتخدمَ مصالحهم، وقضاياهم لا قضايا المسلمين!
و ننبه أننا من خلال ملفنا لن نتناول بالبحث والدراسة الأحداث الحالية التي تعرفها فلسطين، إيمانا منَّا أن إغراق الناس في المستجدات والأخبار مع غياب تصور صحيح للبعد الحقيقي لقضية فلسطين والقدس من شأنه أن يصيبهم بالإحباط واليأس وفقد الأمل في استرجاعها، لهذا ارتأينا أن نتناول الموضوع محاولين تصحيح التصور لدى المسلمين لإحدى أهم قضاياهم، أو على الأقل تذكيرهم بالبعد الحقيقي للقضية، خصوصا مع تعاظم الخطب العلماني الرامي إلى إقصاء القضية من جدول اهتمامات المسلمين على صعيد الحكومات، ورفع شعار: فلسطين قضية الفلسطينيين وليس العرب، بله المسلمين قاطبة.