هل كان العثمانيون الأتراك محتلين لبلاد العرب؟ وهل كان السلطان عبد الحميد ضعيفا؟

يقدم القوميون والعلمانيون العرب الخلافة العثمانية الإسلامية على أنها احتلال الأتراك لبلاد المسلمين وأنها السبب في تخلفها، وذلك لقطع الصلة بين أبناء المسلمين وتاريخ أسلافهم محاولين اجتثاث أكثر من ستة قرون من تاريخ الأمة الإسلامية الزاخر بالبطولات ومظاهر الأنفة والسيادة والكبرياء.

ولقد أخذ السلطان عبد الحميد النصيب الأوفر من التشويه والكذب والزور وذلك نقمة من المغرضين الحاقدين على الخلافة الإسلامية حيث وسموه بالضعف والظلم والغدر، وحملوه مسؤولية إضعاف الدولة العثمانية وإسقاطها.
علما أن هذا السلطان المخلص حينما تولى الحكم كانت الخلافة الإسلامية آيلة للسقوط على يد أعدائها، فقد لعبت الطائفة اليهودية المعروفة بـ”يهود الدونمة” دوراً خطيراً في تأليب الوضع السياسي داخل الدولة، بحيث كانت صاحبة اليد الطولى في إنشاء حزب الاتحاد والترقي المتشبع بالعصبية الطورانية المعادية للعروبة والإسلام حتى يومنا هذا، واقتصر عمل السلطان حينئذ على تأخير هذا السقوط، وكان رحمه الله طوال مدة حكمه (33 سنة) يحتفظ بسر لم يبح به لأحد قط وبثه في مذكراته التي كتبها قبل وفاته في إقامته الجَبرية بقصر يهودي بولاية “سلانيك”؟
فما هو هذا السر يا ترى الذي كان يؤمل عليه السلطان عبد الحميد رجوع الدولة العثمانية إلى قوتها كدولة كبرى؟
وما هو السر الذي احتفظ به وهيأ الظروف له حتى اتهمه الصديق بالضعف، والعدو بالظلم والغدر؟
لنستمع إليه حيث يقول في مذكراته (1333هـ/1914م):
“منذ أربعين عاماً وأنا أنتظر أن تشتبك الدول الكبرى مع بعضها البعض -روسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا- كان هذا كل أملي، كنت أرى أن سعادة الدولة العثمانية مرتبطة بهذا، وجاء ذلك اليوم الذي كنت أنتظره، ولكن.. هيهات فقد أبعدوني عن العرش، وابتعد الذين حكموا البلاد بعدي عن العقل والتبصر، والفرصة العظيمة التي ظللت أربعين عاماً في انتظارها ولت وأفلتت من يد الدولة العثمانية إلى الأبد.
جاهدت لكي لا يعزلوني عن العرش طوال ثلاثين عاماً، وجهادي هذا كان من أجل هذه الفرصة. حبست الأسطول في الخليج ولم أخرجه ولو للتدريب، وحبسي له كان من أجل هذه الفرصة. تجاهلت الحرب اليونانية لكي لا أدع للإنجليز منفذاً للاستيلاء على كريت، وتجاهلي هذا كان من أجل هذه الفرصة، بمعنى آخر: إن كل مجهودي قرابة ثلاثين عاماً، بصوابه وبخطئه، إنما كان من أجل هذه الفرصة.
وحفظت هذا السر في نفسي أربعين عاماً. وسأوضحه لأحفادي لكي يعرفوا أني لم أفاتح فيه أحداً، حتى مع أكثر صدوري العظام ثقة، لأني تعلمت بالتجارب أن شيئاً يعرفه اثنان يخرج عن كونه سراً، ولذلك كان من ألزم الأمور ألا يعرف مقصدي هذا أحد، وألا تحس به الدول الأجنبية.
كان تقديري أن استخدام العثمانيين لفرصة كهذه في وقتها، وبتبصر كفيل بأن ينقذهم، فيعيدون لدولتهم مكانتها في مصاف الدول العظمى.
كان الواضح أن التنافس بين الدول الكبرى سيجرها أخيراً إلى التصارع والتصادم فيما بينها، وعلى هذا فإن الدولة العثمانية أمام تصارع وتصادم كهذا تصبح بعيدة عن أخطار التمزق والتقسيم، ويوم التصادم سيوضح قيمتها بين الدول. هذا هو سر سياستي التي استمرت 33 عاماً”.
وبعد عزل السلطان عن الحكم عمد رجال حزب الاتحاد والترقي، صنيعة الصهاينة، إلى إشراك الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب النازية عن قصد، وكان هذا السبب الرئيس الذي اعتمد عليه أعداء الدولة الإسلامية في تمزيقها وإلغاء نظام الخلافة الإسلامية على يد العلماني الماسوني كمال أتاتورك.
فرحم الله السلطان عبد الحميد الذي هُضم قدره من قبل مثقفينا، والذي كان يفكر بقوة وإرادة أسلافه، وانظر إلى أدعياء العلم وزعماء التحرر كيف جروا هذه الأمة إلى ويلات ونكبات عظام لها أول وليس لها آخر، حتى أصبحت دولة عظيمة من دول الإسلام، تمتد عبر قارات ثلاث، على مدى عشر سنوات حفنة من تراب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *